fbpx
الرأي

الذهاب إلى المصايف بين الحل والحرمة

بقلم_ الدكتور إسلام القزاز.
الباحث في الفقه العام بجامعة الأزهر

بالنظر المحايد العميق والدقيق للواقع فإنه ما زالت مواقع غُلاة السلفيين تمتلئ بفتاوى التنطع والتشدد، والتى تكون سببًا فى تنفير المسلمين من دينهم الحنيف الذى لا يعرف أبدًا للتعسير سبيلًا.. ومن تلك الفتاوى “تحريم التنزه بالذهاب إلى المصايف”، وخصوصًا فى هذا الحر الشديد الذى يضرب البلاد حاليًا.
وعلي النقيض من ذالك فإن هناك من يبيح بكل سهولة بغض النظر عن التفاصيل لكل رأي كما سأذكره بين طيات كلماتي بإذن الله تعالى :

وحينما تجولت فى تلك الردود من كثير من العلماء علي اختلافه مدارسهم ومذاهبهم وجدت سيلًا من التحريمات للذهاب إلى المصايف سواء للرجل أو للمرأة، والأدهى فى الأمر أن هذه الفتاوى حرَّمت الذهاب إلى المصايف حتى وإن التزم الرجال والنساء فيها بالآداب والقيم الإسلامية الرصينة!، مُعلِّلة ذلك بأنها أماكن “فتنة” لا يجوز حتى الاقتراب منها، على حد قولها.

فمن ذا الذى يَحْرِم الناس من رؤية البحر والمظاهر الخلاَّبة الطبيعية الجميلة التى خلقها الخالق البديع، سبحانه وتعالى، والتى من شأنها أن تروِّح عن النفس عناء الحياة؟!… ومن ذا الذى يُحرِّم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق، طالما التزم المسلم والمسلمة بالآداب الإسلامية والأخلاق الرفيعة من عدم كشف العورات، والنظر إلى المحرمات؟!!

ويقول أحد المحرمين لذالك عن الذهاب إلى المصايف: “لا يجوز للمسلم أن يذهب إليها، سواء كان رجلًا أم امرأة، وسواء كان مع النساء محرم لهن أم لم يكن، وسواء نزلن البحر أم لم ينزلن، لأنها مواضع فتنة، وتتفشى فيها المنكرات، ويغلب على من ينزل بها أن يرى ما يخالف شرع الله من عورات مكشوفة، واختلاط نساء بغير محارمهن، وفضائح يندى لها الجبين، والتردد على هذه المصايف يميت الغيرة فى النفوس، ويغريها بارتكاب المنكر”!!.

يقول فيه أحد المحرمين من المشايخ السلفية محرِّمًا الذهاب إلى المصايف: “المصيف موضع فتنة لا يجوز للمسلم أن يذهب إليه، سواء كان رجلًا أم امرأة، وسواء التزما بالآداب الشرعية فيه أم لا، لأنه تتفشى فيه المنكرات، ويغلب على من ينزل به أن يرى ما يخالف شرع الله من عورات مكشوفة، واختلاط نساء بغير محارمهن، وفى البعد عنها السلامة، ومحافظة على العفاف والكرامة”!!.

ويجيب أحدهم عن الذهاب إلى المصايف، قائلًا: “لا مانع من النزهة والترويح عن النفس والأهل إذا التزم المرء بحدود الله، ومن حدود الله تحريم اختلاط الرجال بالنساء فى جو من التعرى والابتذال والنظر إلى العورات مما يشيع الفاحشة ويدعو إلى الزنا ، كما هو حاصل فى المصايف المختلطة، فوجود المسلم فى هذه الأماكن محرَّم ولو كان سيغض بصره، لأن المكان غير صالح للتواجد فيه، فهو محط نزول غضب الله ومقته لما فيه من التبرج والفواحش”!.
وكما عوَّدنا علماء الأزهر الوسطيين المعتدلين، فقد أوضحوا أن الذهاب إلى تلك المصايف لا حُرمة فيه، طالما التزم المسلم والمسلمة بما أمرهما الله به من غض البصر، وارتداء الملابس الشرعية التى تستر العورات، حيث يقول أحد أعضاء هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وأحد أساتذة الشريعة الإسلامية: “إذا كان المسلم سيقضى مصيفه ونزهته بعيدًا عن كل ما يُغضب الله، مع الحفاظ على الآداب الإسلامية من غض البصر وستر العورات مع الالتزام بقراءة القرآن الكريم، والذهاب للمساجد لقضاء الصلاة فلا مانع منه ولا حرج فيه”.

وأضاف “من الضرورى أن يتغلب المسلم على نفسه خلال وجوده فى المصيف، حتى لا يقع فى المعصية بأن يُكثر من الأعمال الصالحة بدلًا من ارتكاب الأفعال غير الشرعية، كما أن عليه أن يُكثر من قراءة القرآن والصلاة، لأنها ستجعله ينتصر على شيطانه”، مشددًا من ارتداء الملابس غير الشرعية كالمايوه للرجل والمرأة، فضلًا عن الملابس الضيقة والشفافة”.
وعلى صعيدٍ متصل، يؤكد الدكتور أحد أعضاء مجمع البحوث الإسلامية، وأساتذة الشريعة الإسلامية، على أنه يجوز للمرأة أو الرجل أن يذهبا إلى شاطئ “المصيف”، لافتًا إلى أن هذا حق لكل مواطن ولكل إنسان، فالتمتُّع بالحلال الطيب من نِعَم الله جائز.

وأضاف: “يجب مراعاة الضوابط الشرعية من الستر ونحوه، وألا يشتمل المكان على منكرات، بالإضافة إلى غض البصر، وكف الأذى عن الناس”، مؤكدًا على أن الذهاب للشواطئ يُقصد به مشاهد الطبيعة والنسيم العَليل والحدائق والزُّهور، وهدوء الاعصاب، وهذه أمور مباحة، كما قال تعالى: “قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعَبَادِهِ وَالطَّبِّيَاتِ مِنَ الرِّزْقِ”.

وتابع أحد أساتذة الشريعة الإسلامية: “لو التزم الرجل والمرأة بالحشمة المطلوبة، والأدب فى السلوك عامة ما كان هناك مانع من ارتيادها، كما يمكن للمرأة أن تختار أوقاتًا لا يكون فيها شباب على الشاطئ كالصباح الباكر، والناس نيام حتى تتفادى نظرات اللئام”، موضحًا أن “المايوه الشرعى” يُشترط فيه أن يكون ساترًا لكل جسمها ما عدا وجهها وكفيها، بحيث لا يكشف ولا يصف ولا يشف.

ومن جانبها أضافت أحد أساتذة الشريعة الإسلامية على أنه يجوز للرجل والمرأة أن يذهبا إلى المصيف للتنزه، والترويح عن النفس، والاستمتاع بالبحر، ومشاهدة الطبيعة شريطة أن يلتزما بالآداب الإسلامية الرفيعة التى جاءت لصون الرجل والمرأة وحفظ كرامتهما.

وأضافت أحد أساتذة الشريعة “تلك الآداب تتمثل فى التزام الرجل بستر العورات، وهى من السُّرَّة إلى الركبة، بالإضافة إلى غض البصر وعدم إمعان النظر إلى عورات النساء”.

وتابعت قائلة : “المايوه الشرعى هو لباس ترتديه المرأة التى تريد أن تستر جسدها أثناء نزولها إلى البحر، وهو مباح طالما لا يشف، ولا يكشف، ولا يصف، والأفضل أن تنزل المرأة إلى البحر فى الأوقات المبكرة التى تخلو من وجود الرجال، أو اختيار الشواطئ الخاصة بها

ومن الأفضل أن يجعل المسلم والمسلمة فى المصيف القرآن الكريم إمامًا لهما فيقرآنه خلال أوقات الراحة، وينفذان ما أمرهما الله فيه، حتى يغتنما خيرى الدنيا والآخرة، كما يمكن أن تمارس الأسرة رياضة الصيد، وأيضًا يمكن الاستفادة من المكان المقصود بالتعرف على المساجد الموجودة فى المصيف والصلاة فيها، حيث تشهد تلك الأماكن يوم القيامة لصاحبها، كما يمكن عمل صدقة فى المكان بتوزيع بعض الأذكار والبطاقات الدعوية على المصطافين، وتذكيرهم بغض البصر وغير ذالك.
والذي أراه وأميل إليه أن يحتاط الإنسان في أمور حياته خاصة في أمور دينه فيتحري الحلال والحرام ويسأل نفسه سؤالا إذا أراد الله نهايتي في هذه الأوقات هل سأفرح بلقاء الله وقتها أم لا ؟
فأقول إن استطاع الانسان ان يتجنب كل المنكرات أبيح له ذالك وإن لم يستطع فالأولي والأحوط أن يتقي الله. والله تعالي أعلي وأعلم.

زر الذهاب إلى الأعلى