fbpx
الرأي

د. آمال موسى تكتب : شتاءٌ ساخنٌ والعودة القوية للاحتجاجات في تونس

بداية العام الجديد في تونس بدأت بتأزم جدي من الصعب فهمه دون وضعه في إطار من التراكمات التي أدت إليه وجعلته يتخذ طابعاً عنيفاً.

فكيف نفسر العودة القوية للاحتجاجات ولماذا اعتمد المحتجون العنف آلية للتعبير عن الغضب وكيف يمكن تفسير اللجوء إلى الاحتجاج ليلاً واختلاط المشهد الاحتجاجي بالعنف والتخريب والاعتداء على الممتلكات العمومية وحتى التابعة للخواص؟

يبدو لي أن التأزم الذي تابعه العالم بانتباه لا يمكن فهمه خارج عناصر ثلاثة رئيسية تتمثل في: قانون المالية 2018 وإعلان حركة «نداء تونس» فك الارتباط مع حركة النهضة وأيضاً إعادة تحديد الموازين السياسيّة في الحقل السياسي التونسي المقبل في شهر مايو (أيار) القادم على انتخابات البلدية وفي العام القادم على انتخابات تشريعيّة ورئاسيّة.

من المهم التذكير أنه منذ أكثر من سنتين وخبراء الاقتصاد في تونس توقعوا أن تكون السنة الحالية سنة صعبة اقتصاديا، لذلك فإن الدولة التونسية قامت بما وصفه رئيس الدولة نفسه بالإجراءات الاقتصادية المؤلمة. فعلى امتداد الشهرين الأخيرين والجدل حاد حول قانون المالية 2018. حيث أثار ردود فعل رافضة ومنتقدة لمضامينه إلى درجة أن قيادات في الحزب الحاكم نفسه أي حركة نداء تونس لم تتأخر عن نقده، الأمر الذي جعل بعض أعضاء الحكومة المدافعين عن القانون يرون أن معارضة قانون ميزانية 2018 ليست إلا مجرد تعلة تخفي وراءها رفضاً للحكومة الراهنة ومحاولة للتضييق عليها. وهناك من ذهب إلى حد وصف بعض المنتقدين، بمن في ذلك المنتمون إلى الحزب الحاكم، الذين قالوا إن هذا القانون يُهدد السلم الاجتماعي التونسي، بأنهم يمارسون خطاباً شعبوياً على حساب الحكومة.

إذن السبب الأقوى لحالة التأزم الراهنة يعود إلى المصادقة على القانون المشار إليه وتحديداً الانطلاق في تطبيق بنوده منذ اليوم الأول للشهر الحالي، فإذا بالأسعار ترتفع بشكل ضايق الميسورين والمحتاجين معا، خصوصاً أن لهذه الزيادات تراكمات سابقة إضافة إلى ما تعنيه من تفاقم لظاهرة البطالة (نشير إلى ما أعلنه وزير التعليم العالي مؤخراً والمتمثل في قرار تجميد الانتداب في الوظيفة العمومية) وأيضاً الفقر وتهديد حقيقي للطبقة الوسطى التي تمثل العمود الفقري للمجتمع التونسي.

في الحقيقة كشف قانون المالية 2018 عن البحث عن الحلول السهلة سياسيا شعبياً وسلك نهج الزيادات والترفيع في الأداءات والضرائب لمواجهة عجز الميزانية وتسديد جرايات الوظيفة العمومية التي تثقل كاهل الميزانية (قرابة 70 في المائة من الناشطين ينتمون إلى الوظيفة العمومية).

كما أن هذا القانون لم يشرك رجال الأعمال بدليل رد فعل رئيسة منظمة الأعراف وتهديداتها عندما تقدمت الحكومة بمشروع القانون لمجلس الشعب.

من جهة ثانية، فإن إقدام الحكومة على هذا القانون وهي التي تعلم أكثر من غيرها كم هو مؤلم اقتصاديا ومدى تداعياته على القدرة الشرائية يكشف عن حقيقة الوضع المالي الاقتصادي التونسي بمعنى أن الاضطرار إلى تبني إجراءات اقتصادية مؤلمة هو خيار اضطراري لجأت إليه الدولة لأنه لا حل لها غيره.

وعند هذه النقطة من المهم الإشارة إلى أن الخطاب السياسي في كثير من البلدان العربية يتميز بالغموض نوعاً ما وغير قادر على تقديم خطاب صريح ومقنع، وينجح في استيعاب حالات الغضب والاحتقان قبل تشكلها وبعده.

أيضا اللافت للانتباه أن الأحداث تواترت وتكثفت في أيام قليلة الشيء الذي أنتج نوعاً من الإرباك. فبعد حالة الوفاق بين حركة نداء تونس وحركة النهضة تم إعلان حركة نداء تونس عن فك الارتباط بالنهضة. وهو في الحقيقة إعلان كان مفاجئا وملتبسا ويخفي أكثر مما يبوح. ذلك أن التوافق بينهما لطالما تم تسويقه كخيار استراتيجي لمصلحة الوطن ولكن عندما اشتدت الانتقادات لحركة نداء تونس وتعاظم رفض هذا التوافق ووصفه بأوصاف سلبية أعلنت قيادات حركة النداء عن فك الارتباط الشيء الذي يسمح لنا بقراءة هذه الخطوة في إطار حملة انتخابية خاصة بالانتخابات البلدية وأخرى مُبكرة خاصة بالانتخابات التشريعية والرئاسية التي ستلتئم في أواخر العام المقبل.

الملاحظ أن الاحتجاجات التي حصلت قد فقدت الأسباب المذكورة باعتبار ما تميزت به من انحراف عن المسار وتبنيها العنف والتخريب وهو ما جعل موقف الحكومة يبدو قويا وتمكنت من خلع صفة الاحتجاجات عنها لما ارتبط بها من تخريب واعتداءات.

ولكن رغم ذلك فإن الاستفادة من الماضي ومن دروسه تقتضي الاعتراف أن هناك إشكالاً تم تحويل وجهته بسبب العنف وغيره إلى منعطفات أخرى دون أن يعني ذلك أن المشكل غير موجود خصوصاً أن المسألة المالية الاقتصادية ستكون نقطة فاصلة في تحديد النخبة السياسية التي سينتخبها التونسيون في أقرب موعد انتخابي ما فتئ يقترب.

نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط

زر الذهاب إلى الأعلى