fbpx
الرأي

فاتنة الدجاني تكتب : كنّا باحتلال … وأصبحنا باحتلالين

 

«عبقرية» الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا تحتاج إلى براهين، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بإسرائيل والفلسطينيين و «صفقة القرن» للسلام. فالرئيس الخطير رأى ما لم يره أحدٌ ممن سبقوه حول أفضل السبل لحل القضية المركزية في الشرق الأوسط.

تفتق ذهنه عن خطة جهنمية. ببساطة قال: «أسحب من طاولة المفاوضات القضية الأكثر حساسية بين قضايا الحل النهائي. أمنحها لإسرائيل، فما المدينة إلا عاصمة للشعب اليهودي». لم ولن يهمّه كثيراً إن كانت في هذا القول مغالطة تاريخية وسياسية ودينية، ولا أن اليهود شعب وليسوا دولة، وأن القدس لم تكن عاصمة لهم قَط، باعتراف كتّاب يهود.

ظن الرئيس «الذكي فوق العادة»، وبعقلية التاجر الشاطر أيضاً، أن الفلسطيني سيركع بسبب حفنة من الدولارات، وأن من السهل إخضاعه و «دَوْزَنَتَه» على موجة «صفقة القرن» من خلال الابتزاز المالي والتهديد بقطع المساعدات.

ربما غابت عنه أو لم يطلعوه على أُم الحقائق: ما من فلسطيني يجرؤ على التنازل عن القدس. أما المساعدات الأميركية للفلسطينيين، فلا تتجاوز 10 في المئة من موازنة السلطة الفلسطينية (4.4 بليون دولار)، بل انخفضت كثيراً في عهد ترامب وهبطت من 400 مليون دولار في السنة إلى 275 مليوناً.

الأنكى تلك الحقيقة التي يدركها العالم كله، وهي أن هذه المساعدات مصلحة إسرائيلية وأميركية أساساً. ألا تُنفق على حفظ أمن يُريح الاحتلال؟ ألا تعفيه من مسؤوليته في تقديم الخدمات للشعب الذي يحتله؟ حتى المشاريع الإنمائية التي تنفذها وكالات أميركية ليست لها علاقة بالنمو. يكفي أن تطبيقها مشروط بموافقة القيادة الإسرائيلية الموجودة في مقر الحكم العسكري في بيت إيل شمال رام الله، وبمدى تطابقها مع خطط الاحتلال ورؤيته لمستقبل المستوطنات والضفة الغربية.

وما بين الضغوط الأميركية وقسوة الاحتلال، يمضي الجانب الإسرائيلي في تحصين ما يحصل عليه من ضوء أخضر من إدارة ترامب، من خلال تحويله واقعاً، فيما تتواطأ أحزاب اليمين العنصري لإقرار الخطط الاستيطانية، وإصدار قوانين في الكنيست لضم مستوطنات الضفة، وأخرى لإخراج التجمّعات السكانية الكبرى من حيّزها التاريخي، مثل أحياء في القدس تحسباً لزيادة أعداد الفلسطينيين في المدينة، وكذلك قوانين تجيز الحكم بإعدام المناضلين الفلسطينيين.

نهج ترامب صار ساطعاً، وهو إسقاط كل الملفات العالقة عن طاولة المفاوضات، بدءاً بالأصعب، أي ملف القدس، يتبعه الآن ملف اللاجئين. وإلا ما معنى تجميد المساعدات الأميركية لـ «وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين» (أونروا)؟ أليس المقصود التأسيس لمرحلة جديدة تشهد تصفية قضية حق العودة؟ ولطالما ضغطت إسرائيل لإلغاء الوكالة الدولية ودمجها في مفوضية اللاجئين من أجل تذويب قضية اللاجئين. أما القضايا الشائكة الأخرى، مثل المياه والحدود والاقتصاد، فهي ساقطة بطبيعة الحال والاحتلال، إما بقيود اتفاق أوسلو وإما ببروتوكول باريس الاقتصادي.

هذا هو الحل الأميركي، شطب كل القضايا وإسقاطها بالقوة. ثم يكون على الفلسطيني أن يفاوض بين احتلاليْن في ظرف إقليمي صعب. فكم احتلالاً على الفلسطيني أن يواجهه حين تكون أميركا داعماً أساسياً للاحتلال؟ وكم كنيست حين يرى ويلمس أن الكونغرس يسابق الكنيست الإسرائيلية في خنق الفلسطيني وحصاره؟ وكم وزارة دفاع وهو يعلم أن الترتيبات الأمنية الراهنة في ضبط السلطة الفلسطينية باسم التنسيق الأمني هي من إبداع وزارة الدفاع الأميركية، من الجنرال كيث دايتون وما أعقبه من مخططات لانسحاباتٍ للجيش الإسرائيلي وضعها جنرالات أميركيون في ما لو نُفذت اتفاقات السلام الوهمية؟

نقلا عن صحيفة الحياة

زر الذهاب إلى الأعلى