fbpx
الرأي

الوظيفة الحكومية من التنمية العكسية إلى التنمية الحقيقية

الدكتور محمود عرابي –

خبير علم الاجتماع

 

اكتسبت الوظيفة الحكومية أهمية على مدى التاريخ، وكان غالبية الشباب يفضلون ” التمرمغ في تراب الميري” ومازال البعض ينغمس في هذا التراب دون مبرر، ودون أن يتحرر من هذا التراب في عصر التكنولوجيا والتنمية المستدامة.

ولاشك أن تقديس الوظيفة الحكومية كان لعدة اعتبارات منها مازال قائماً ومنها ماتوارى تحت الثرى في ظل النماذج الناجحة في قطاع العمل الحر.

وتمثلت هذه الاعتبارات في:

الأمان الوظيفي: أن الوظيفة الحكومية أمان في المستقبل في حالة المرض أو كبر السن بالإضافة إلى صعوبة الفصل التعسفي منه كسائر الجهات الأخرى. ففي ديوان الحكومة يصعب فصلك حتى لو كنت مهملاً أو متهاوناً في دوامك، أو تقديرك السنوي ضعيف، أو حتى مرتشياً.
ثبات واستقرار الدخل: وذلك أن العمل الحكومي ذو دخل محدد مستقر لاينقص ويزيد بمعدلات ثابتة إلى حد كبير مما يساعد على تحديد بنود الإنفاق والادخار وفقا لهذا الدخل.
المكانة: العمل في بعض الجهات الحكومية له هيبة ومكانة في المجتمع.
للترقي الحتمي: وذلك أن العمل الحكومي يمتاز بالترقية والانتقال من درجة لأخرى حتى أعلى الدرجات دون مجهود أو تميز ( فقط بعدد السنوات البينية) وهو ما لم يتوفر في غيره من القطاعات التي تتطلب الكفاءة والتميز.
أن الدخل الحكومي لايخضع في الغالب لمعايير الأداء .
عدم احتياج غالبية العمل الحكومي لجهد كبير: حيث أن ساعات العمل أقل، والإجازات مريحة جداً.
قلة العمل: حيث أن المتابع لبعض الوظائف الحكومية وخاصة في المحليات يلاحظ أن متوسط العمل لغالبية الموظفين لايتجاوز ساعة يومياً (تنابلة السلطان) ، وأنهم منشغلون بالحكاوي والصراعات وتجهيز الطعام، وهو ما يمكن أن يؤكد على تآكل موارد التنمية .

ولاشك أن مزايا الوظيفة الحكومية فتحت المجال أمام المشتاقين والفاسدين وهو ما برزت ملامحه في:

1- التعيين وفقا للواسطة والمحسوبية ، والمتابع لشاغلي بعض الوظائف خاصة في المحليات يتبين أن غالبية الموظفين تم تعيينهم بالواسطة والمحسوبية في مسلسل تدعيم وإعادة إنتاج الفساد، وهو ما يكرس الظلم الاجتماعي ، حيث تم تعيين من يملك ذويهم السلطة والمال واستبعاد الفقراء ( قليلي الحيلة) ، وأصحاب الكفاءات العلمية والمهارية.

2- وأدى دخول غالبية ذوي الوساطة والمحسوبية للوظائف الحكومية إلى التعامل مع الوظائف على أنها حق مكتسب، والتمرد على دولاب العمل، وقوانينه ، بحث أصبحت هذه القوانين يتم تطبيقها على بعض العاملين دون بعض.

3- إعادة إنتاج الظلم الوظيفي والاجتماعي، ارتكاناً إلى أن الواسطة تدفع الفاسدين وذوي الوساطة إلى الترقية واحتلال المناصب دون كفاءة، متقدمين في ذلك على غيرهم الأحق والأكثر كفاءة ممن ليس لديهم واسطة أو واسطتهم أقل قوة. ويبرز ذلك في المحليات بشكل أكثر وضوحاً.

4- تراجع الاستعانة بالكفاءات ، إرضاءاً للفاسدين من ذوي السلطة والنفوذ، حتى يتمكن الفاسدين من تقلد الوظائف الأعلى، وهو مايكرس التخلف.

5- الخضوع في الترقية والتعيين في الوظائف القيادية للأقدمية والوساطة دون اعتبار للكفاءة والمهارة أو المستوى العلمي، وهو ما يؤدي لقتل المهارات ، وإصابة الكفاءات بالإحباط، وهو ما يؤدي إلى تراجع التنمية أو على الأقل عدم التقدم (محلك سر).

6- عدم تقدير المتميزين في العمل، وعدم وجود معايير فعالة أو( تغييب هذه المعايير) لقياس النجاح والتميز ، كما أن الدخل الحكومي لايخضع في الغالب لمعايير الأداء.

7- جمود معايير التقدير والترقية عند الأقدمية والنفاق وعدم العمل” اشتغل أكثر تغلط أكثر تتجازى أكثر”.

8- عدم توزيع غالبية الموظفين على الوظائف تبعا للتخصص بقدر مايكون التوزيع تبعا للوساطة، وهو ما يخلق فجوة بين إمكانيات الموظف وتخصصه ومتطلبات الوظيفة، ويقلل من إسهام الموظف أو عدم قدرته على تطوير الوظيفة التي يعمل بها.

9- التعامل مع الوظيفة الحكومية تبعا للعائد المادي من الوظيفة ، وذلك في ظل تدني الرواتب الحكومية باعتبار أن هذه الجهات خدمية غير منتجة ولاتحقق أرباح، وهو ما يبرر ثقافة التزويغ ( كفاية كدا * على أد فلوسهم).

10- تكدس الجهاز الحكومي ، حيث أن يتم تعيين موظفين أضعاف ما تتطلبة الوظيفة أو القسم أو الجهة ، وهو مايمثل ضغاطاً على ميزانية الدولة، وتبلد الموظفين وتراجع طموحاتهم ومهاراتهم في ظل عدم العمل.

ولاشك أن الوظائف بهذا الشكل لاتؤدي إلى التقدم بقدر ما تؤدي إلى إعادة إنتاج التخلف، وعدم وجود تنمية حقيقية، تواكب النفقات الحكومية على هذه الوظائف، حتى أن بعض الموظفين قد مات ماتبقى لديهم من ضمير، حيث يذهبون إلى العمل بغرض استهلاك إمكانيات العمل من تكييف أوإضاءة أو تليفونات، وماكينات تصوير وطباعة ..الخ والتعامل مع مال الحكومة على أنه ( مال سايب).

ولكن………

كيف يتم تجاز هذه السلبيات والتنمية العكسية؟
كيف يعبر الجهاز الحكومي من التنمية العكسية إلى التنمية الحقيقية؟
هل يتم تغيير معايير اختيار الموظفين ؟
هل من الضروي محاسبة الفاسدين والمنحرفين؟
هل يتم تغيير الفكر الإداري بما يساعد على تنمية طاقات وقدرات العاملين؟
هل لابد من اختلاف معايير تقييم الموظفين؟

 

dr_mahmoud1969@yahoo.com

زر الذهاب إلى الأعلى