المحافظات

أسرار مقبرة الملك أمنحتب الثالث.. عودة الحياة لروائع وادي الملوك بالأقصر

في قلب وادي الملوك غرب الأقصر تقف مقبرة الملك أمنحتب الثالث، أحد أعظم ملوك مصر القديمة، لتروي فصولًا من عبقرية الفن المصري القديم، بعد أن استعادت بريقها ضمن مشروع عالمي هو الأضخم من نوعه استمر أكثر من عشرين عامًا بدعم من منظمة اليونسكو والحكومة اليابانية وبإشراف وزارة السياحة والآثار المصرية.

المشروع الذي حمل اسم “صيانة اللوحات الجدارية لمقبرة الملك أمنحتب الثالث” نُفذ على ثلاث مراحل متتابعة بدأت الأولى ما بين 2001 و2004، ثم الثانية من 2010 إلى 2012، وصولًا إلى المرحلة الثالثة والأخيرة (2022 – 2024) التي أعادت للمقبرة سحرها القديم بتعاون بين جامعة هيباشي نيبون الدولية باليابان ومكتب اليونسكو الإقليمي بالقاهرة.

شارك في أعمال الترميم فريق دولي ضم خبراء مصريين ويابانيين وإيطاليين، ونفذوا أعمال صيانة شاملة شملت اللوحات الجدارية والأعمدة والأسقف داخل الغرف (E) و(I) و(J) “حجرة التابوت”، إلى جانب ترميم وإعادة تركيب غطاء التابوت الجرانيت الأحمر وتجميع أكثر من 300 قطعة أثرية متناثرة داخل المقبرة.

أما المرحلة الثالثة فقد ركزت على ترميم الشروخ وتنظيف الصور الجدارية وتثبيت الألوان وتنقية الأسطح الحجرية، مع تركيب أجهزة تحكم بيئي متطورة ومتابعة نشاط الكائنات الحية الدقيقة لضمان حماية النقوش على المدى الطويل، فضلًا عن أعمال الصيانة الوقائية للقطع الأثرية بالمخازن.

ولم تقتصر الجهود على الترميم فقط، بل تضمنت تدريب 195 متخصصًا مصريًا على تقنيات الحفظ والإدارة المتقدمة لمواقع التراث الثقافي، إضافة إلى تنظيم ورش عمل توعوية للأطفال والشباب والنساء لتعزيز وعي المجتمع بأهمية حماية التراث، وهو ما جعل المشروع نموذجًا فريدًا في الدمج بين الحفاظ على الأثر وتنمية الوعي الإنساني.

وبفضل هذا التعاون الممتد لعقدين من الزمن بين مصر واليابان واليونسكو، أصبحت المقبرة اليوم جاهزة لاستقبال الزوار ضمن خطة متكاملة لإدارة الموقع وتأمينه، لتستعيد مكانتها الفريدة داخل موقع “طيبة القديمة ومقابرها” المسجل على قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ عام 1979.

وتُعد مقبرة أمنحتب الثالث (KV 22) واحدة من أكبر المقابر الملكية في طيبة، وقد شُيدت للملك أمنحتب الثالث (1390 – 1352 ق.م) أحد أعظم ملوك الأسرة الثامنة عشرة، الذي شهد عصره ذروة الازدهار السياسي والفني والاقتصادي، وامتد نفوذه إلى الشرق والجنوب في أوج قوة الدولة المصرية القديمة.

الملك أمنحتب الثالث هو ابن تحتمس الرابع والملكة موت إم ويا، وزوج الملكة تي التي نالت مكانة استثنائية في التاريخ المصري، ونُحت لهما تمثال ضخم معروض حاليًا في المتحف المصري بالقاهرة. كما ترك الملك بصمات معمارية خالدة أبرزها معبد الأقصر وتماثيل ممنون وإضافاته العظيمة في معبد الكرنك.

أما تصميم المقبرة، فيتشابه مع تصميم مقبرة تحتمس الرابع (KV 43)، ورغم طول فترة حكم الملك فإن الزخارف لم تكتمل إلا في الأجزاء الجوهرية، وخاصة حجرة الدفن التي تتزين بسقف منقوش بالنجوم الصفراء على خلفية زرقاء ترمز إلى السماء الأبدية. وتظهر على الجدران مناظر الملك وهو يتلقى علامة الحياة من المعبودات “أمنتت” و”أنوبيس” و”أوزير”، إضافة إلى مناظر تجمعه بروح والده أمام المعبودتين “حتحور” و”نيت”.

كما تحتوي المقبرة على نصوص من كتاب “إمي دوات” الذي يصف رحلة الملك في العالم الآخر، وقد نُقلت مومياء أمنحتب الثالث في العصور اللاحقة إلى خبيئة مقبرة أمنحتب الثاني (KV 35) ضمن مجموعة من الملوك، كما عُثر في نفس الخبيئة على مومياء يُعتقد أنها تخص الملكة تي.

إن اكتمال هذا المشروع العالمي يعكس قوة التعاون الدولي في صون التراث الإنساني، ويؤكد الدور الرائد لمصر في حماية آثارها، حيث تعود مقبرة أمنحتب الثالث اليوم لتفتح أبوابها أمام العالم شاهدًا جديدًا على خلود الحضارة المصرية وعظمة فنونها الخالدة.

زر الذهاب إلى الأعلى