الأوروبيون يتدافعون لإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني بعد انسحاب ترامب منه
سعى حلفاء أوروبيون مستاؤون لإنقاذ الاتفاق النووي دولي مع إيران اليوم الأربعاء بعد أن اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارا بانسحاب بلاده من الاتفاق التاريخي في حين سخر مسؤولون في طهران من الرئيس الأمريكي.
قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان ”الاتفاق لم يمت. هناك انسحاب أمريكي من الاتفاق لكن الاتفاق ما زال موجودا“.
وأضاف أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيتحدث في وقت لاحق يوم الأربعاء مع نظيره الإيراني حسن روحاني. وأبدت إيران كذلك استعدادها لإجراء محادثات.
وأعلن ترامب يوم الثلاثاء إنه سيعيد فرض عقوبات اقتصادية أمريكية على إيران من أجل تقويض ما وصفه بأنه ”اتفاق مروع أحادي ما كان يتعين على الإطلاق إبرامه“.
ورفع اتفاق عام 2015 بين الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وروسيا والصين وإيران العقوبات المفروضة على إيران في مقابل كبح برنامجها النووي. ووضعت صياغة الاتفاق بحيث تمنع إيران من امتلاك سلاح نووي.
وشكا ترامب من الاتفاق، الذي كان توقيعه من إنجازات سلفه الديمقراطي باراك أوباما على صعيد السياسة الخارجية، لا يعالج برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني أو أنشطة إيران النووية بعد عام 2025 أو دورها في الصراعات الدائرة في اليمن وسوريا.
ويزيد قراره من مخاطر تعميق الصراعات في الشرق الأوسط ويضع الولايات المتحدة على خلاف مع المصالح الدبلوماسية والتجارية الأوروبية ويثير حالة من عدم التيقن بشأن إمدادات النفط العالمية. وارتفعت أسعار النفط بأكثر من اثنين بالمئة اليوم الأربعاء وبلغ سعر مزيج برنت أعلى مستوياته منذ ثلاثة أعوام ونصف العام.
ومن شأن القرار أيضا أن يعزز قبضة المحافظين على حساب الإصلاحيين على الساحة السياسية الإيرانية.
وقال لو دريان إن إيران تفي بالتزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق.
وأضاف لو دريان لراديو (ار.تي.ال) الفرنسي ”المنطقة تستحق ما هو أفضل من المزيد من الاضطرابات التي يثيرها الانسحاب الأمريكي. لذلك نريد التمسك به وأن نضمن تمسك إيران كذلك به وأن تمارس ضبط النفس“.
قال الاتحاد الأوروبي إنه سيلتزم بالاتفاق النووي مضيفا أنه سيضمن استمرار رفع العقوبات عن إيران طالما تفي بالتزاماتها.
وذكر لو دريان أن فرنسا تدرك مثل غيرها أن هناك مخاوف بشأن قضايا أخرى بخلاف قدرات إيران النووية لكنه قال إن هذه القضايا يمكن بحثها دون التخلي عن الاتفاق النووي.
وسيعقب اتصال ماكرون بروحاني اجتماعات الأسبوع المقبل، في الأغلب يوم الاثنين، تشمل مسؤولين إيرانيين ونظرائهم من فرنسا وبريطانيا وألمانيا.
وتعتمد فرص انقاذ الاتفاق بدرجة كبيرة على ما إذا كانت الشركات العالمية مستعدة وقادرة على الاستمرار في إقامة أعمال مع إيران رغم العقوبات الأمريكية.
وقال لو دريان إن اجتماعات ستعقد كذلك مع شركات مثل توتال النفطية وغيرها من الشركات والكيانات الاقتصادية الكبرى العاملة في المنطقة.
وفيما ينذر بما قد يحدث في المستقبل قال السفير الأمريكي لدى ألمانيا إنه يتعين على الشركات الألمانية وقف أنشطتها في إيران على الفور.
وقال وزير المالية الفرنسي بورنو لو مير للإذاعة الفرنسية إن قرار ترامب بشأن إيران خطأ وإن الولايات المتحدة يجب ألا تعتبر نفسها ”الشرطي الاقتصادي“ للعالم.
وقالت شركات أوروبية منها بي.اس.ايه صانعة الكاميرات وإيرباص لصناعة الطائرات وسيمينز إنها تراقب الوضع عن كثب.
وفي طهران، سخر رئيس البرلمان الإيراني من ترامب قائلا إنه لا يصلح للقيادة.
وقال علي لاريجاني للنواب ”ترامب لا يملك القدرات العقلية للتعامل مع القضايا“. وينحدر لاريجاني من واحدة من أشهر العائلات السياسية في إيران وكثيرا ما يقوم بدور المبعوث الدبلوماسي.
وأحرق أعضاء البرلمان العلم الأمريكي ونسخة رمزية من الاتفاق النووي المعروف رسميا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة لدى بدء الجلسة. ورددوا هتافات تنادي بسقوط أمريكا.
وقال الجنرال محمد باقري رئيس أركان الجيش الإيراني إن طهران ما كان يتعين أن توقع على الاتفاق.
ونقلت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء عنه قوله ”لكن الدولة المتعجرفة (أمريكا) لم تلتزم حتى بتوقيعها“.
وتحدث الرئيس حسن روحاني الإصلاحي بنبرة أكثر عملية فقال فور إعلان ترامب انسحابه من الاتفاق إن إيران ستظل ملتزمة به دون وجود واشنطن.
وقال في كلمة بثها التلفزيون ”إذا حققنا أهداف الاتفاق بالتعاون مع الأعضاء الآخرين به فسيظل ساريا“.
وأضاف ”أصدرت أوامر لوزارة الخارجية بأن تجري خلال الأسابيع القادمة مشاورات مع الدول الأوروبية والصين وروسيا. إذا توصلنا خلال هذه الفترة القصيرة إلى نتيجة بأنه يمكن من خلال التعاون مع هذه البلدان تحقيق الاستفادة الكاملة من الاتفاق عند ذلك سيبقى الاتفاق النووي“.
ويكثف قرار ترامب الضغوط على التحالف بين أمريكا وأوروبا منذ توليه السلطة قبل 16 شهرا. فقد زار القادة الأوروبيون واشنطن واحدا تلو الآخر وحاولوا تلبية مطالبه وناشدوه الإبقاء على الاتفاق.
وأبقت إدارة ترامب الباب مفتوحا للتفاوض على اتفاق جديد مع الحلفاء لكن لم يتضح ما إذا كان الأوروبيون سيقبلون هذا الخيار أو سيكونون قادرين على إقناع إيران به.
وقال زعماء بريطانيا وألمانيا وفرنسا الموقعين على الاتفاق مع الصين وروسيا في بيان مشترك إن قرار ترامب يدعو ”للأسف والقلق“.
وقالت الصين إنها تأسف لهذه الخطوة. وقالت وزارة خارجيتها إن بكين ستبقي على الاتفاق ودعت كل الأطراف المعنية للتعامل بمسؤولية.
لكن أحد الدبلوماسيين الغربيين عبر عن موقف أكثر وضوحا بقوله إن الولايات المتحدة ”تعلن عقوبات سيكون أول ضحاياها هم حلفاء ترامب الأوروبيون“ وأضاف الدبلوماسي أنه من الواضح أن ترامب لا يعبأ بالتحالف.
يعد قرار الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني من أكثر القرارات المرتبطة بسياسة ترامب المتمثلة في شعار ”أمريكا أولا“ التي دفعته للانسحاب من اتفاق المناخ الموقع في باريس والاقتراب من حرب تجارية مع الصين والانسحاب من اتفاق تجاري مع آسيا والمحيط الهادي.
ويعكس كذلك فيما يبدو تنامي نفوذ المتشددين ضد إيران داخل الإدارة الأمريكية مثل وزير الخارجية الجديد مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون.
وتنفي إيران أن تكون قد سعت لتطوير أسلحة نووية وتقول إن برنامجها النووي لأغراض سلمية. وقال مفتشون تابعون للأمم المتحدة إن إيران لم تنتهك الاتفاق النووي وقال مسؤولون أمريكيون بارزون مرارا إن إيران ملتزمة بالاتفاق.
وسيصعب تجديد العقوبات على إيران بيع نفطها بالخارج أو استخدام النظام المصرفي العالمي.
وإيران هي ثالث أكبر أعضاء أوبك وتنتج نحو 3.8 مليون برميل يوميا من النفط الخام أي أقل بقليل من أربعة بالمئة من الإنتاج العالمي. وتشتري الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية أغلب صادراتها التي تبلغ نحو 2.5 مليون برميل يوميا.
وتقول وزارة الخزانة الأمريكية إن العقوبات المتعلقة بقطاعات الطاقة والسيارات والمالية الإيرانية سيعاد فرضها في غضون ما بين ثلاثة وستة أشهر.
وقال وزير الخزانة ستيف منوتشين إنه سيجري إلغاء تصاريح لشركتي بوينج وإيرباص لبيع طائرات ركاب لإيران مما سيوقف صفقة بقيمة 38 مليار دولار.
وقال ترامب إن الاتفاق النووي لم يمنع إيران من الخداع والاستمرار في السعي لامتلاك سلاح نووي.
وقال ”من الواضح لي أننا لا يمكننا منع تصنيع قنبلة نووية إيرانية بموجب الهيكل المتداعي المتعفن للاتفاق الحالي… الاتفاق الإيراني معيب في جوهره“.
وقال ترامب إنه مستعد للتفاوض على اتفاق جديد مع إيران لكن طهران استبعدت ذلك بالفعل وهددت برد لم تحدده إذا انسحبت الولايات المتحدة.
ويثير تنامي النفوذ العسكري والسياسي لإيران في اليمن وسوريا ولبنان والعراق قلق الولايات المتحدة وإسرائيل ودول عربية متحالفة مع الولايات المتحدة مثل السعودية.
وكانت إسرائيل والسعودية من بين قلة من الدول التي رحبت بقرار ترامب التخلي عن الاتفاق النووي.