الاغتيالات السياسية في مصر: ١٠٠ عام من القتل باسم الوطنية أو الدين

كتب – محمد عيد:
تعيد احتفالات مصر بمئوية ميلاد الرئيس الراحل أنور السادات فتح صفحة من تاريخ البلاد حافلة بالأحداث، فقد كان عصر السادات ساحة لكثير من الأحداث الكبرى التي صاغت فترة حاسمة من التاريخ المصري المعاصر، سواء بانتصار أكتوبر المجيد، مرورا بمبادرة الرئيس الراحل للسلام مع إسرائيل، وصولا إلى النهاية الدرامية الدامية لحياة السادات باغتياله خلال العرض العسكري الذي أقيم احتفالا بانتصارات أكتوبر عام ١٩٨١، وكان الفصل الأخير لحياة رجل طالما أثار الجدل حيا وميتا.
النهاية الدامية للرئيس السادات لم تكن سوى فصل جديد في مسلسل عرفته مصر على مدى تاريخها القديم والحديث، بل وتكررت مآسي الاغتيالات السياسية بشكل لافت خلال المائة عام الماضية، وهو ما حاول كتاب “الاغتيالات السياسية في مصر” الصادر عن دار الكتاب العربي في بيروت أن يوثقه.
ورغم مرور عدة سنوات على صدور الكتاب، إلا أن ما تثيره ذكرى مئوية الرئيس السادات ربما تكون مناسبة جيدة للتقليب في صفحات ذلك الكتاب القيم الذي سعى مؤلفاه خالد عزب وصفاء خليفة لرصد قائمة بأشهر قضايا الاغتيال السياسي بداية من قضية مقتل بطرس باشا غالي في فبراير 1910 وصولا لقضية اغتيال الرئيس السادات في العام 1981.
يرى المؤلفان أنه من المهم إعادة قراءة تاريخ مصر من هذه الزاوية بعد أن توافرت بعض الوثائق التي تعين على فهم دوافع هذه القضايا، لذلك قاما بوضع عنوان تفصيلي للكتاب هو “دماء في تاريخ مصر المعاصر من خلال الوثائق ومحاضر التحقيق”.
ويشدد خالد عزب وهو باحث في تاريخ مصر وآثارها، إضافة لعمله كرئيس لقطاع المشروعات بمكتبة الإسكندرية، على أن قراءة ملفات التحقيق في قضايا الاغتيالات توفر مادة خصبة لإعادة قراءة تاريخ مصر وتعطي نتائج مختلفة عماهو شائع.
ينطلق الكتاب من هذه الفرضية، محاولا تقصي أسباب هذه القضايا وإعادة بناء الحدث التاريخي من خلال إجراء مقارنات بين مختلف الروايات والشهادات التي عالجته، وبالاضافة لهذه الحصيلة الخصبة يوفر الكتاب مجموعة من الوسائط المساعدة، سواء تمثلت في صور فوتوغرافية أو خرائط أو محاضر تحقيق كانت محفوظة في أرشيفات مختلفة وظل بعضها بعيدا عن أيدي الباحثين بزعم ” سرية المعلومات ” الموجودة فيه.
إن الجانب الذي يميز الكتاب مقارنة بغيره من الكتب التي عالجت الموضوع ذاته اعتماده على المعلومات من دون التورط في تبني منهج بعينه في تفسير تلك الوقائع أو الانحياز لتيار سياسي دون تيار آخر وإن كان ينتهي إلى إدانة فعل “الاغتيال” ذاته بغض النظر عن دوافعه.
وقد بدأت مكتبة الإسكندرية من خلال مشروع ذاكرة مصر المعاصرة قبل سنوات العمل على مشروع لتوثيق “الاغتيالات السياسية، ضم سجلا أرشيفيا وتوثيقيا لأشهر محاولات الاغتيال لأبرز الشخصيات المصرية مثل: الخديوي عباس حلمي الثاني الذي تعرض لمحاولتين، الأولى في مايو 1912 عن طريق شخص يُدعى إمام واكد، والثانية في يوليو 1914 عن طريق شخص آخر يُدعى محمود مظهر.
وحادث اغتيال وزير المالية أمين باشا عثمان في 5 يناير 1946، الحادث الذي اُتُهِم (الرئيس) أنور السادات بارتكابه، وكذلك اغتيال الشيخ حسن البنا المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، والكاتب يوسف السباعي في العاصمة القبرصية نيقوسيا.
كما ضم المشروع قسما للصور احتوى على عدة ألبومات خاصة بجميع الشخصيات التي تعرّضت للاغتيال في مختلف مراحل حياتها، بالإضافة إلى صور مرتكبي هذه الحوادث.
ويفرق الكتاب بين دوافع الاغتيال السياسي، فثمة قضايا وقفت وراءها دوافع وطنية من جماعات كانت تمارس العمل السياسي الوطني قبل ثورة 1952 لكنها لجأت لهذا الخيار العنيف في ظروف معينة وجدت قبولا من الرأي العام على عكس القضايا التي حدثت بعد الثورة وكان اللجوء فيها للاغتيال خيارا مرفوضا من قبل قطاعات كثيرة في قضايا بعينها بعد أن اتضح وقوف قوى سياسية تمارس العنف بإسم الإسلام بداية من قضية النقراشي باشا 1948 وصولًا لقضية اغتيال السادات التي تجلت فيها صورة العنف الديني مثلها في ذلك مثل قضية اغتيال الشيخ الذهبي في العام 1977.