الرقابة الدستورية على السلطة التنفيذية
الدكتور عادل عامر
الرقابة على السلطة التنفيذية, نص الدستور على مسؤولية الحكومة ابتداء أمام مجلس النواب من خلال اشتراط حصولها على ثقة المجلس بعد تكليفها من قبل رئيس الجمهورية بغض النظر عما إذا كان رئيس مجلس الوزراء قد تم تكليفه من قبل رئيس الجمهورية أو بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أغلبية أو أكثرية مقاعد مجلس النواب, كما نص الدستور على ضرورة موافقة الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب قبل إعفاء رئيس الجمهورية للحكومة واكتفى بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب الحاضرين، على إلا يقل عن ثلث عدد أعضاء المجلس في حالة إجراء رئيس الجمهورية تعديلا وزاريا.
ونص الدستور أيضا على حق مجلس النواب في سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء أو من أحد نوابه أو من أحد الوزراء أو نوابهم. ويعني سحب الثقة استقالة رئيس الوزراء أي الحكومة بأكملها، أو عضو مجلس الوزراء الذي سحبت منه الثقة، ما لم تتضامن الحكومة معه وإلا استقالت الحكومة بأكملها.
منح الدستور رئيس الجمهورية المنتخب، باعتباره الرئيس الأعلى للسلطة التنفيذية، حق حل مجلس النواب وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة؛ لكنه قام بتقييد هذا الحق، بما يتعارض مع سمات النظم شبه الرئاسية.
فمن ناحية، نصت المادة (137) على أنه لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس النواب إلا عند الضرورة، وبقرار مسبب، وبعد استفتاء الشعب، ولا يجوز حل المجلس لذات السبب الذي حل من أجله المجلس السابق. وذكرت المادة نفسها أن رئيس الجمهورية يصدر قرارًا بوقف جلسات المجلس وإجراء الاستفتاء، فإذا وافق المشاركون بالأغلبية أصدر الرئيس قرار الحل ودعا لانتخابات جديدة خلال ثلاثين يومًا على الأكثر من تاريخ صدور القرار.
ومن الناحية الأخرى، ليس من المبرر وضع هذه القيود على حق رأس السلطة التنفيذية المنتخب في حل المجلس وإجراء انتخابات مبكرة؛ ما دام المجلس النيابي يتمتع بحق سحب الثقة من الحكومة دون قيود، حتى يتسنى تحقيق التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. ففي جميع النظم التي يحق فيها للبرلمان حق سحب الثقة من الحكومة؛ يكون لرئيس الجمهورية المنتخب في النظم شبه الرئاسية ولرئيس الوزراء في النظم البرلمانية حق حل البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة. وعادة ما يتم النص على أجل محدد لإجراء الانتخابات الجديدة، وعلى حظر تكرار الحل لنفس السبب.
لم يوضح لنا الدستور الإجراءات الواجب اتباعها في حالة رفض أغلبية المواطنين المشاركين في الاستفتاء على حل البرلمان. من المؤكد أن يعود البرلمان للانعقاد؛ ولكن هل يقدم رئيس الجمهورية استقالته في هذه الحالة؟ وكيف سيتعامل الرئيس مع برلمان أراد حله، ولم يمكنه المواطنون من ذلك؟ وهل سيقدم البرلمان العائد بإرادة أغلبية المشاركين في الاستفتاء على سحب الثقة من الرئيس انتقاما منه على إقدامه على السعي لحل البرلمان؟ استمرارا للنصوص الغريبة التي لم ترد، في حدود علمنا، في أي دستور آخر؛ جاءت المادة (161) بنص ينسف النظام شبه الرئاسي نسفا ويجرده من أهم سماته على الإطلاق، حيث قررت المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية المنتخب أمام مجلس النواب. وأكاد أقطع بأن دارسي النظم السياسية وأنماط الحكومات سوف يتوقفون طويلا أمام هذه المادة التي لم يأت بها الأوائل ولن يأتي بها الأواخر. تنص المادة على ما يلي “يجوز لمجلس النواب اقتراح سحب الثقة من رئيس الجمهورية؛ وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بناء على طلب مسبب وموقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل، وموافقة ثلثي أعضائه، ولا يجوز تقديم هذا الطلب لذات السبب خلال المدة الرئاسية إلا مرة واحدة.
وبمجرد الموافقة على اقتراح سحب الثقة، يطرح أمر سحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في استفتاء عام، بدعوة من رئيس مجلس الوزراء، فإذا وافقت الأغلبية على قرار سحب الثقة، يعفي رئيس الجمهورية من منصبه ويعد منصب رئيس الجمهورية خاليًا، وتجرى الانتخابات الرئاسية المبكرة خلال ستين يومًا من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء. وإذا كانت نتيجة الاستفتاء بالرفض، عد المجلس منحلا، ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس جديد للنواب خلال ثلاثين يوما من تاريخ الحل.” لقد آثرت نقل نص هذه المادة كما وردت في الدستور بالرغم من طولها حتى يمعن المهتمون النظر فيها. وليس من قبيل المبالغة القول بأن هذه المادة تضرب بسمات النظم شبه الرئاسية عرض الحائط، وتجعل رئيس الجمهورية المنتخب بمثابة رئيس للوزراء في نظام برلماني مهلهل.
ولا ريب أن هذه المادة، بالإضافة إلى المادة السابق ذكرها التي تقيد حق الرئيس في حل البرلمان، تتعارض مع سلطات الرئيس المنتخب مباشرة من الشعب في النظم شبه الرئاسية. تذكر جميع الكتب والدراسات أن رئيس الجمهورية المنتخب في النظم شبه الرئاسية يعتبر مسئولاً أمام الشعب الذي قام بانتخابه، والذي تتاح له فرصة محاسبته على أدائه عند ترشحه مرة أخرى للحصول على ثقة شعبه في الانتخابات الرئاسية التالية،
وثمة فارق جوهري بين المسئولية السياسية أمام البرلمان وبين الاتهام بالخيانة العظمى أو بانتهاك الدستور أو بارتكاب جريمة جنائية، حيث يجوز توجيه الاتهام إلى رئيس الجمهورية كما نصت المادة (159) وفقا لإجراءات محددة تنص عليها الدساتير.
ثاني عشر: جاءت المادة (146) بنص غريب يشبه إلى حد كبير نصا مماثلا تقريبا في دستور2012؛ وهو النص الخاص بتكليف رئيس لمجلس الوزراء من قبل رئيس الجمهورية. ولا أدري في الحقيقة من أين تسلل هذا النص إلى الدساتير المصرية؟
فقد نصت المادة على “يكلف رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس الوزراء بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب، فإذا لم تحصل على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يوما على الأكثر، يكلف رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يوما، عد المجلس منحلا.
ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس نواب جديد خلال ستين يوما من تاريخ صدور قرار الحل. وفي جميع الأحوال يجب ألا يزيد مجموع مدد الاختيار المنصوص عليها في هذه المادة على ستين يوما. وفي حالة حل مجلس النواب، يعرض رئيس مجلس الوزراء تشكيل حكومته، وبرنامجها على مجلس النواب الجديد في أول اجتماع له.”
ومرة أخرى أتت هذه المادة بما لم يأت به الأوائل ولن يأتي به الأواخر، فأثارت تعقيدات لا حاجة لنا بها في موضوع جد يسير في النظم شبه الرئاسية وفي النظم البرلمانية، على اعتبار أن العلاقة بين البرلمان والحكومة في النظم شبه الرئاسية تشبه نظيرتها في النظم البرلمانية؛ كما ذكرنا أنفا. ففي هذه النظم جميعها، يتم تكليف زعيم الحزب الحاصل على الأغلبية في الانتخابات البرلمانية بتشكيل الحكومة، إذا حصل أحد الأحزاب على أغلبية مقاعد البرلمان؛ حيث يكون من المستحيل أن تحصل حكومة من خارج هذا الحزب على ثقة البرلمان.
وفي حالة عدم وجود أغلبية واضحة لأحد الأحزاب، يجري رئيس الجمهورية مشاورات مع زعماء الأحزاب والكتل أو الائتلافات الممثلة في البرلمان قبل تكليف شخص بتشكيل الحكومة؛ حتى يتسنى لهذه الحكومة الحصول على ثقة البرلمان.
وفي حالة تعذر تشكيل حكومة تحظى بالأغلبية، يقوم رئيس الجمهورية بحل البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية جديدة. يضاف إلى ما سبق أن هذه المادة لم تذكر الإجراءات الواجب اتباعها في حالة رفض البرلمان الجديد منح الثقة للحكومة. فهل يعد المجلس الجديد منحلا مرة أخرى؟ ثالث عشر: عادة ما يقاس نجاح أنماط النظم السياسية المختلفة بمدى قدرتها على تحقيق التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. وقد نجحت نظم برلمانية وأخرى رئاسية وثالثة شبه رئاسية في تحقيق هذا التوازن.
ومن المتفق عليه أن النجاح المذهل للنمط الرئاسي في النظام السياسي الأمريكي منذ تأسيسه قبل أكثر من مائتي عام لم يتكرر في النظم التي سعت لتطبيق هذا النمط، لاسيما في دول أمريكا اللاتينية.
ومرد ذلك إلى اختلال التوازن في الأخيرة لصالح السلطة التنفيذية. وبينما تمكن النظام السياسي الأمريكي من موازنة السلطات الواسعة التي يتمتع بها رئيس الجمهورية من خلال وجود برلمان قوي (الكونجرس الأمريكي بمجلسيه) حتى لو انتمى أغلبية أعضاء الكونجرس لحزب الرئيس؛ فشلت النظم التي حاولت تطبيق ذلك النمط الرئاسي، مع التباين في درجة الفشل، في تحقيق التوازن المنشود، وتمكن رئيس الجمهورية من السيطرة على البرلمان.