الطفل المصري النابغ في الحساب: بطولتي الدولية في ماليزيا نتاج تدريب دام سنوات
في ثماني دقائق فقط تمكن الطفل المصري عبد الرحمن حسين من حل 320 مسألة حسابية معقدة دون الاعتماد على آلة حاسبة أو أية أدوات أخرى، ليتفوق على منافسيه في مسابقة دولية للحساب الذهني أقيمت أخيرا في ماليزيا.
الإنجاز الذي حققه الطفل البالغ من العمر 13 عاما دفع وسائل إعلام محلية ودولية للاحتفاء به وإطلاق لقب “أذكى طفل في العالم” عليه، وهو اللقب الذي أثار دهشة الكثيرين من المصريين، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن أثبت عبد الرحمن لهم بإنجازه، أن هذا اللقب لم يعد مجرد شعار أجوف يردده البعض بدافع التباهي الوطني.
يقول عبد الرحمن: “هذه ليست المسابقة الدولية الأولى لي، فقد شاركت من قبل في مسابقة أقيمت في ماليزيا عام 2012 ولم أحصل فيها على مركز، لكنني حصلت على المركز الثالث على العالم في المسابقة التي جرت عام .2014 وعلى المستوى المحلي حصلت على المركز الثاني خلال عامي 2016 و2017”.
المسابقة الدولية التي حصل فيها عبد الرحمن على المركز الأول في ماليزيا أجريت نهاية ديسمبر الماضي، وشارك فيها 3 آلاف طفل من 13 دولة، من بينها خمس دول عربية (فلسطين، قطر، السعودية، الإمارات، مصر).
ويتنافس المتسابقون على حل مسائل حسابية معقدة فى أقل وقت ممكن.
ويُقسَّم المشاركون في المسابقة إلى فئات من حيث العمر، وما إذا كانوا يعتمدون في حل المسائل على قدراتهم الذهنية فقط أم يستعينون بالعداد الصيني (الأبيكس)، وهو من أقدم الوسائل المستخدمة في الحساب في التاريخ ويرجع تاريخه إلى 5 آلاف عام . وحصد عبد الرحمن المركز الأول في المجموعة
المعتمدة على القدرات الذهنية فقط في الفئة العمرية بين 7 و14 عاما، والتي كانت تضم حوالي ألفي متسابق.
ولم يكن عبد الرحمن المشارك المصري الوحيد في المسابقة، فقد كان ضمن وفد يضم 16 طفلا مصريا، حصد عشرة منهم على مراكز متنوعة من بين الأوائل العشرين في المسابقة، من بينها كأس البطولة.
وكشف عبد الرحمن، الذي يستطيع حل مسائل حسابية معقدة تصل فئاتها العددية إلى مئة مليون، أن نبوغه في الحساب ليس موهبة فطرية فقط، بل نتاج تدريب متواصل في برنامج للرياضيات الذهنية بدأه قبل خمس سنوات في أحد المراكز المتخصصة بالقاهرة.
يقول عبد الرحمن: “بدأت عام 2012 على التدرب على حل المسائل الحسابية بطرق غير تقليدية معتمدا في أول الأمر على العداد (أبيكس)، وبالمواظبة على التدريب صرت متمكنا من إجراء أعقد العمليات الحسابية في ذهني حتى بدون استخدام العداد”.
وذكر عبد الرحمن أنه خضع لتدريب مكثف قبل ثلاثة أشهر من مشاركته في المسابقة حتى يتمكن من منافسة نظرائه ، خاصة الماليزيين الذين تُطبق في مدارسهم مناهج الرياضيات الذهنية.
وأكد عبد الرحمن، الذي يحرص على ممارسة السباحة وكرة القدم بانتظام، أن هذه الطريقة لم تساعده في تنمية قدراته الحسابية فحسب، بل أيضا في تحسين أدائه خلال تعلم المواد الدراسية الأخرى، حيث ساهمت في زيادة تركيزه وثبات المعلومات في مخه لفترة أطول، معربا عن أمنيته في أن يتمكن من استغلال هذه الإمكانات ليصبح مهندسا في مجال الكمبيوتر.
وبحسب بيانات مدربة عبد الرحمن والمسؤولة عن إعداد المدربين في مركز “IMA” للرياضيات الذهنية، بتول منتصر، فإن هذه الطريقة تنمي القدرات الحسابية عند الفرد لدرجة تجعله يستطيع إجراء عمليات حسابية أسرع بمقدار ست مرات من أقرانه الذين لم يتدربوا على الحساب الذهني، موضحة على سبيل المثال أنه بمجرد أن ينتهي المدرس من كتابة المسألة الحسابية على السبورة يكون الطفل المتمرس على الحساب الذهني قد توصل إلى حلها على الفور.
وذكرت بتول أن برنامج الرياضيات الذهنية يستهدف تنمية الذكاء العقلي عن طريق استغلال الأجزاء المهملة في مخ الطفل، وقالت: “يتطلب العمل على عداد الأبيكس استخدام كلتا اليدين، فاليد اليمنى تنشط الفص الأيسر من المخ والعكس، ما يعني أنه سيجرى تنشيط المخ بأكمله وليس جزءا منه فقط مثلما هو الحال في الطرق التقليدية للحساب”.
وأكدت بتول أن تعلم تقنيات الحساب الذهني لا يتطلب مسبقا قدرات ذهنية فائقة من الطفل، موضحة أنه يمكن لأي طفل يتمتع بمعرفة أساسية عن التعامل مع الأرقام الالتحاق بهذا البرنامج خلال الفترة العمرية من 4 سنوات ونصف حتى 12 سنة، وهي الفترة المثلى لنمو عقل الطفل، على حد تعبيرها.
وعن إمكان تعميم هذا البرنامج في المدارس بمصر، ذكرت بتول أن إدماجه في المراحل الدراسية يحتاج إلى دعم قوي من المؤسسة التعليمية وتطوير شامل في مناهج الحساب بالمدارس.
ومن جانبها، طالبت رئيسة القسم التعليمي في المركز، نرمين عمر، الشركات والعلامات التجارية برعاية هذا البرنامج على غرار الرعاية التي تقدمها في مجالات أخرى مثل رياضة كرة القدم، وقالت: “تكاليف المشاركة في المسابقات الدولية يتحملها المركز وآباء الأطفال المشاركين دون دعم من أي جهة في الداخل أو الخارج”، موضحة أن الإمكانات المالية المحدودة تعوق انتشار البرنامج على مستوى مصر والمساهمة بشكل فعال في تنمية القدرات الذهنية للأطفال.
وشكت بتول من أن الأضواء تُسلط في أغلب الوقت على الإنجازات الكروية، بينما لا تحظى الإنجازات العلمية بنفس التقدير، مشيرة إلى أنها كانت تنتظر اهتماما واحتفاء رسميا في مصر بالنجاح الذي حققه الأطفال في المسابقة، وقالت: “هؤلاء الأطفال كانوا يمثلون اسم مصر في المسابقة، وكان من المنتظر تكريمهم والاحتفاء بهم رسميا مثلما يتم الاحتفاء بالإنجازات الرياضية أو الفنية”.