حسين خيري يكتب : الحل السحري لأزماتنا وعلاجها
الشكوى لا تنقطع من ارتفاع نسب الفقر والبطالة والجريمة، وعلاجها بالأمر اليسير ولا يحتاج إلى تكاليف باهظة، ولضمان نجاحه لا بد من حذو دول تعد حاليًا من عمالقة الاقتصاد ونهضتها قامت عليه.
وثانيًا عدم التباطؤ في اتخاذ القرار وتفعيل الدراسات المكدسة في الأدراج، ويكمن الحل السحري بالتوسع في المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وظهرت أهمية هذه المشروعات بصورة جلية في دول جنوب شرق آسيا، ووصلت صادراتها في بعض الأحيان إلى أكثر من 70%.
وقد يقول قائل: إننا قمنا بالفعل بتطبيق عدة تجارب من تلك المشروعات، ولكنها للأسف لم تستمر طويلاً وواجه الكثير منها الفشل، واصطدمت بعدة عقبات منها غياب الدعم الحكومي، وعدم توافر وسائل للتسويق والتوزيع.
وأبرز مثال على نجاح تلك المشروعات، ما نهجته الصين منذ البداية في الاعتماد على المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، فالصين ظلت دولة فقيرة حتى عام 1978، ولم يكن لديها استثمار أجنبي، ووظفت العامل البشري توظيفًا جيدًا، والذي يبلغ 1.5 مليار نسمة، ونجحت في تخليص 700 مليون مواطن صيني من الفقر والتخلف، ومن النماذج الأخرى سنغافورة التي تحولت من قزم فقير إلى مارد اقتصادي، وحصل دخل الفرد السنوي على المركز السادس عالميًا، بعد أن كان ثلث شعبها يفترشون الأرض، ويرجع الفضل إلى توجهها نحو المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وقيام بنك التنمية السنغافوري بتوفير المساعدات المالية لهذه المشروعات، بسعر فائدة ثابت وأقل من الأسعار التجارية، ثم انضم إليه عدد كبير من البنوك الأخرى.
ولنا في اليابان القدوة الحسنة، وقد خرجت من الحرب العالمية الثانية و80% من بنيتها التحتية مدمرة تمامًا، ومثلت المشروعات الصغيرة والمتوسطة نقطة انطلاقها، وأنشأت هيئة خاصة لتلك المشروعات، ومنحت لها إعفاءات من الضرائب والرسوم، ووضعت تعريفًا واضحًا لها، وقامت بتأمينها خوفًا من مخاطر الإفلاس، وينطبق الحال على كوريا الجنوبية؛ حيث أصبح اهتمامها بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة؛ لأنها الداعم الأساسي في عملية التنمية، ومثلت منتجاتها 69% من صادراتها، وأنشأت بنكًا خاصًا لها لدعمها ومراعاة خطواتها.
وتشترك تلك الدول في عدة سمات، أولاها: أنها من الدول الفقيرة في الموارد الطبيعية ماعدا الصين، ثانيها: اعتمدت على ثروتها الحقيقية من العنصر البشري وهو أغلى ما تمتلكه الدول، ونجحت في توظيفه وتدريبه، ولم يمثل لها عائقًا أمام التنمية، ومن خلال استثماره جيدًا تمكنت من التغلب على فقره وتخلفه، ثالثها: لم تعتمد على استيراد المنتج الأجنبي، وفضلت عليه المنتج المحلي، لتوافر الجودة فيه ذات المواصفات العالمية، رابعها: اهتمت الدولة بدعمه وتسويق منتجاته من خلال وكيل للتسويق، وألزمت حكومات تلك الدول المشروعات الكبرى في الاعتماد على منتجات المشروعات الصغيرة.
وبالنظر إلى هذه التجارب وإلى تجربتنا المحدودة، نجد أنها ينقصها الكثير من توافر عوامل النجاح، ولذلك نشهد تعثرها وفشلها، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر مدينة الألومنيوم بميت غمر التي تغرق في مشكلات كثيرة، ويعمل فيها ما يقرب من 60 ألف مصري داخل 3 آلاف ورشة، وتنتج ما يقرب من 80% من إنتاج الألومنيوم بمصر، ومن بين مشكلاتها عدم وجود منطقة صناعية خاصة بها، فضلاً عن ارتفاع أسعار المواد الخام، وكذلك إجبار الحكومة لأصحاب الورش على دفع ضرائب وتأمينات باهظة ودون منحها التراخيص.
ونموذج آخر من المشروعات الصغيرة التي تعاني معوقات عديدة، وهي تصنيع السجاد اليدوي في ورش قرية الشناوية بمحافظة بني سويف، ويحظى إنتاجها بسمعة عالية ويلقى قبولاً من بعض الدول الأوروبية، ولكن مؤخرًا بدأت تشهد كسادًا بسبب إغفال الحكومة عن دعمها، مما دفع معظم العمالة للهروب إلى مهن أخرى، مما يعني أن هناك نماذج للمشروعات الصغيرة قائمة بالفعل على الأرض، ولكن الحكومة تتغافل عن دعمها، وتغمض عينيها عن تجارب الدول المتقدمة وعدم تطبيقها للعبور من أزماتنا الاقتصادية.
نقلا عن صحيفة الأهرام