رئاسة مصر الاتحاد الأفريقي وإعادة ملء الفراغ
كتب – محمد عيد:
استجابة لطلب النائب طارق رضوان، رئيس اللجنة الأفريقية في مجلس النواب، بضرورة تعريف المواطن المصري بأهمية ترأس قمة الاتحاد الأفريقي، قائلًا: “إن هذا الحدث يؤكد ا قدمته مصر من رؤى للعمل بالاتحاد، وحول أهمية العودة بقوة للعب دور رئيس في القارة بعد ابتعاد دام طويلًا، ولا يكون دور الإعلام مُختذل بيوم الاحتفال بتقلد الرئيس السيسي فقط رئاسة الاتحاد”.
ومن هذا المنطلق تُقدم “الديوان”، شرحًا تفصيليًا عن دور الاتحاد الأفريقي ونشأته والأدوار المنوط بها، وأهميته لدول القارة السوداء.
بحلول العاشر من فبراير الجاري، تبدأ رسميا رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي، التي تمتد لمدة عام، ينتظر أن يكون حافلا بالعديد من الفعاليات والمناسبات القارية، التي تستهدف مصر تحقيق أكبر استفادة ممكنة منها لخدمة إفريقيا، وقبل ذلك خدمة دبلوماسيتها النشطة في القارة، وتحقيق العديد من المكاسب السياسية والاقتصادية.
الاتحاد الأفريقي هو منظمة دولية تتألف من 55 دولة أفريقية، تأسس في 9 يوليو 2002، متشكلاً خلفاً لمنظمة الوحدة الأفريقية. تُتّخذ أهم قرارات الاتحاد في اجتماع نصف سنوي لرؤساء الدول وممثلي حكومات الدول الأعضاء من خلال ما يسمى بالجمعية العامة للاتحاد الأفريقي. يقع مقر الأمانة العامة ولجنة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، أثيوبيا. في اجتماع الجمعية العامة للاتحاد في فبراير 2009 الذي رأسه الزعيم الليبي معمر القذافي، أعلن عن حل لجنة الاتحاد الأفريقي وإنشاء سلطة الاتحاد الأفريقي.
من بين أهداف مؤسسات الاتحاد الأفريقي الأساسية تسريع وتسهيل الاندماج السياسي والاجتماعي والاقتصادي للقارة، وذلك لتعزيز مواقف أفريقيا المشتركة بشأن القضايا التي تهم القارة وشعوبها، تحقيقاً للسلام والأمن؛ ومساندةً للديمقراطية وحقوق الإنسان. يتكون الاتحاد الأفريقي من جزئين أحدهما سياسي والأخر إداري.
ويعرف أكبر صانع للقرارات في الاتحاد الأفريقي بالجمعية العامة، التي تتألف من رؤساء دول الأعضاء أو ممثلي حكوماتها. يرأس حالياً الجمعية العامة رئيس ملاوي بينغو وموثاريكا، الذي تم انتخابه في الاجتماع نصف السنوي الرابع عشر للجمعية العامة في يناير 2010.
لدى الاتحاد الأفريقي هيئة تمثيلية، أيضاً، فيما يعرف بالبرلمان الأفريقي (برلمان عموم أفريقيا)؛ الذي يتألف من 265 عضواً ينتخبون من قبل البرلمانات الوطنية لدول الأعضاء والذي يرأسه إدريس موسى. يوجد أيضاً لدى الاتحاد الأفريقي مؤسسات سياسية أخرى، مثل المجلس التنفيذي والذي يضم وزراء خارجية الدول الأعضاء، ومن المهام الرئيسية للمجلس تهئية القرارات لتمريرها للجمعية العامة والهيئة التمثيلية للاتحاد التي تضم سفراء الدول الأعضاء في أديس أبابا.
يوجد أيضاً المجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي (ECOSOCC) والذي يهتم بالناحية المدنية للدول. ويرأس الغابوني جان بينغ لجنة الاتحاد الأفريقي حالياً؛ القائمة لأعمال الهيكلة السياسية في الاتحاد. وتعتبر مدينة أديس أبابا في إثيوبيا هي العاصمة الإدارية والرئيسية للاتحاد الأفريقي، حيث يقع فيها المقر الرئيسي للجنة الاتحاد الأفريقي.
ويستضيف عدداً آخر من أعضاء المجلس العديد من الهياكل الأخرى، فعلى سبيل المثال بانجول، يوجد بها المقر الرئيسي للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب. وغامبيا التي تستضيف أمانتي آلية مراجعة النظراء الأفريقية والشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا. فضلاً عن البرلمان الأفريقي والذي يقع في مدينة ميدراند الجنوب أفريقية. قام الاتحاد الأفريقي بأول تدخل عسكري له في دولة عضو في مايو 2003، حيث نشر قوة لحفظ السلام هي (بعثة الاتحاد الأفريقي في بوروندي) من جنوب أفريقيا وإثيوبيا وموزمبيق في بوروندي للإشراف على تنفيذ العديد من الاتفاقات العسكرية المختلفة هناك.
كما نشر أيضاً الاتحاد قوات لحفظ السلام في السودان في صراع دارفور، وذلك قبل تسلم الأمم المتحدة تلك المهمة في 1 يناير 2008. أيضاً، قام الاتحاد بنشر قوات حفظ سلام من أوغندا وبوروندي في الصومال.
ولعل أول المكاسب التي يمكن أن تحصدها مصر من رئاستها الاتحاد الإفريقي يتجسد في تعزيز نجاح برنامج تبنته الرئاسة المصرية منذ سنوات، سعت من خلاله إلى تأكيد حضورها القوي في أغلب الملفات الإفريقية وطرح نفسها في العمق الإفريقي اقتصاديًّا وسياسيًّا.
ويأتي ذلك البرنامج النشط محاولة لإعادة ملء الفراغ الذي خلفه غياب مصر عن الساحة الإفريقية لعقود عديدة، بلغت ذروتها مع تجميد عضوية مصر في الاتحاد عام ٢٠١٣.
ورغم أن مصر كانت من المؤسسين الأوائل لمنظومة التعاون الإفريقي عام ١٩٦٣، والتي حملت اسم منظمة الوحدة الإفريقية، لكن الحضور المصري طيلة نصف القرن الماضي، لم تكن تتناسب مع ذلك الحضور الطاغي في عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، الأمر الذي سمح لقوى كثيرة بعضها غير إفريقية بأن تملأ الفراغ الذي خلفه غياب مصر عن القارة السمراء، وخسرت القاهرة الكثير نتيجة هذا الغياب، لعل أخطر تلك الخسائر كان تهديد أمنها المائي.
ومن هنا يأتي المكسب الثاني الذي يمكن أن تحققه مصر من رئاستها الاتحاد الإفريقي، وهو ممارسة المزيد من الضغط في ملف حماية أمنها المائي، الذي بات مهددا بسد النهضة الأثيوبي، خاصة بعدما أثبتت أديس أبابا عدم التزامها بأية تعهدات أو اتفاقات تحول دون الإضرار بالأمن المائي المصري، واتباعها نهجا التوائيا مخادعا، وضع القاهرة تحت ضغوط عديدة.
كما يمكن للقاهرة توظيف رئاستها الإفريقية في تعزيز زخم حضورها على الساحة الدولية، فمصر تسعى إلى تأكيد عودتها كدولة فاعلة على الساحة الإفريقية، واستثمار علاقاتها الدولية في تسهيل العديد من الملفات الحيوية بالنسبة لها، مثل الملف الفلسطيني، والليبي والسوري، وكلها ملفات معقدة ترتبط بتوازنات دولية متشابكة، تتطلب لمن يريد خوض غمارها أن يتحلى بدور دولي مؤثر، وربما تكون البوابة الإفريقية مدخلا مناسب لذلك، لا سيما في ظل التطلع الدولي للتواجد على أرض قارة المستقبل .. إفريقيا.
وهنا ينبغي الالتفات إلى أهمية الملف الاقتصادي، الذي يسير بموازاة المكاسب السياسية، فقد كشفت مصر في السابق عن جزء من خطتها في إفريقيا عندما أعلنت عن خطة استثمارية في القارة السمراء بقيمة 50 مليار دولار، وتحقيق مصالح مزدوجة من خلال التواجد بكثافة في القارة السمراء ومساعدة الاقتصاد المصري على التحسن.
وتعتبر قارة إفريقيا أقل القارات استثمارًا من الأجانب رغم أنها تتمتع بمساحة كبيرة؛ ما يجعلها من أكثر التربات خصوبة لمجال الاستثمار، وكل الدول الإفريقية تملك كل العوامل التي تجعل من المستثمر يحصل على أعلى العوائد لاستثماره.
بوادر نتاج الشراكة مع الجانب الإفريقي ظهرت عندما أكد هان بينج الوزير المفوض للشؤون الاقتصادية والتجارية بسفارة الصين بالقاهرة أن رئاسة مصر لدورة الاتحاد الإفريقى تؤسس لتحقيق التنمية الشاملة مع الصين، منوهًا إلى وجود أكثر من 10 مشاريع استراتيجية كبرى مع مصر جاءت كنتاج لمشاركة مصر بقوة في النشاط الاقتصادي الصيني – الإفريقي. ويتوقع مراقبون أن تسعى مصر إلى الاعتماد على دبلوماسية التفاوض الجماعي مع التكتلات العالمية الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي والآسيان وبريكس وغيرها، لضمان مكاسب أكبر للقارة.
كما يمكن للقاهرة أن تستغل رئاستها للاتحاد الإفريقي من أجل إعطاء دفعة قوية لمشاريع اقتصادية تتبناها للعمل القاري، مثل إنشاء منطقة للتجارة الحرة الإفريقية، ودعم البنية الأساسية لربط القارة الإفريقية بمحاور الطرق في مصر، ومنها إيصال بحيرة فيكتوريا بالبحر المتوسط، ودعم شبكة للسكك الحديدية تمتد لإريتريا والسودان.
إن ذلك لا يعني أن طريق مصر في الأدغال الأفريقية سيكون مفروشا بالورود، بل ستكون هناك منافسة محتدمة مع قوى قارية، وأخرى غير إفريقية سيزعجها بلا شك عودة الحضور المصري لملء الفراغ، لأن هذا الفراغ هو مساحتها المتاحة للتحرك، وهو ما سيمثل تحديا حقيقيا أمام الإرادة والرؤية المصرية لتحقيق مصالحها الوطنية والقارية على حد سواء.