عدنان كريمة يكتب : أخطار ديون أميركا والصين… وقيادة الاقتصاد العالمي
عندما تسلم الرئيس دونالد ترامب منصبه في كانون الثاني (يناير) الماضي، كان حجم الدَيْن العام الأميركي أقل من 19,8 تريليون دولار، وقد وعد الأميركيين حينذاك بأن بإمكانه تسديد هذا الدَين بسهولة خلال ثماني سنوات، مع العلم أن مدة ولايته هي أربع سنوات، وكأنه بذلك يروج لتجديد ولايته مرة ثانية بحيث يترك الحكم في مطلع عام 2025، من دون أن يورث خلفه ديوناً ثقيلة كما فعل سلفه باراك أوباما. فهل يستطيع ذلك؟
يزعم ترامب أن بإمكانه تحقيق هدفه من طريق رفع سعر الفائدة، والتفاوض حول الصفقات التجارية، بينما يرى الخبراء المراقبون أن ذلك يعني تعديلاً في موازنة الدولة لإنفاق نحو 4 تريليونات دولار سنوياً، وفي وقت يتوقعون فيه زيادة العجز المالي نتيجة تنفيذ قانون خفض الضرائب الذي أقره أخيراً الكونغرس بأكثرية ضئيلة جداً، إذ نال فقط موافقة 51 صوتاً في مقابل معارضة 45 صوتاً.
وترتكز الأنتقادات الموجهة للقانون الذي يخفض ضريبة أرباح الشركات من 35 الى 20 في المئة، على أنه يحرم الموازنة من إيرادات ضريبية، ما يساهم في تفاقم الدَين الأميركي بنحو 1.5 تريليون دولار خلال السنوات العشر المقبلة، حتى أن بعض التقارير أشار الى خسائر بأكثر من ضعف هذا الرقم. ووفقاً لتحذيرات أطلقتها «مؤسسة الضرائب»، وهي مؤسسة بحثية مقرها واشنطن، فإن تنفيذ خطة الإصلاح الضريبي، سيؤدي الى خسائر متوقعة بين 2.5 تريليون و3,9 تريليون دولار خلال السنوات العشر المقبلة.
وخلافاً لتوقعـــات ترامب المتفائلة، فقد زاد الدَين العام الأميركي خـــلال فترة ثمانية أشهر من عهده، نحو 324 بليون دولار، ويتوقـــع أن يرتفع هذا الرقم الى نحو 500 بليــون حتــى نهايـــة العام الحالي، ليصل المجموع الى نحو 20.35 تريليون دولار، على أن يرتفع بوتيرة تدريجيـــة سنوياً ليبلغ 24.67 تريليون دولار عام 2027، ويعادل أكثر من 114 في المئة من الناتج المحلي، وهي نســـبة مرتفعة وتحمل سلبيات متعددة ومتنوعة، كونها بعيــدة من نسبة «القاعدة الذهبية» لمعايير الأخطار الدولية وفقاً لـ «ميثاق ماستريخت»، والمحددة بمعدل 60 في المئة فقط للدَين المقبول نسبة للناتج المحلي الإجمالي.
وإذا كانت الولايات المتحدة (كدولة واحدة) تعد ثاني أكثر دول العالم «مديونية» بعد الصين، فإن ارتفاع هذا الدَين سنوياً أصبح سمة من سمات الاقتصاد الأميركي منذ التأسيس. وتبين من الإحصاءات التاريخية، أن أول ارتفاع شهده الدَين كان عام 1812 عقب الحرب الأهلية، ووصل الى 66 مليون دولار عام 1860، ثم قفز الى بليون دولار عام 1863، والى 25.,5 بليون خلال الحرب العالمية الأولى، و260 بليوناً عام 1950، وإلى 909 بلايين عام 1980، ومن ثم قفز الى 6 تريليونات دولار عام 2000. وخلال ولاية جورج بوش الابن زاد الدَين الى 9 تريليونات عام 2007. أما في عهد باراك أوباما بين عامي 2008 و 2016 فقفز الى نحو 19.8 بليون دولار.
وفي اطار الاستغلال السياسي، تمكن الإشارة الى أن الرئيس الروسي حذر أكثر من مرة من أخطار تفاقم الدَين الأميركي، وحمل الولايات المتحدة مسؤولية الأخطار التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي، نتيجة ارتفاع معدلات ديونها الخارجية. ولوحظ في هذا المجال، أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تحذر من أخطار على النمو يفرضها تفاقم ارتفاع الديون في شكل قد يجره مجدداً نحو الهبوط، في وقت يشهد الاقتصاد العالمي أكثر فترات النمو منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008. كذلك يشدد صندوق النقد الدولي في تحذيره من حدوث أزمة مالية عالمية، وهو يدق ناقوس الخطر من «إصطدام باخرة النمو الاقتصادي بجبل جليد الديون». وترى وكالة الطاقة الدولية أن العالم يواجه صعوبات كبيرة، في ظل مستويات ديون مفرطة، يمكن أن تؤدي الى فرض أعباء على النمو حتى في غياب الأزمات المالية، حيث ينتهي الأمر بالمقترضين المثقلين بالديون الى خفض الاستثمار والاستهلاك.
إضافة الى ذلك، حذرت تقارير عدد من وكالات التصنيف الائتماني من تداعيات ضخامة الدَين الحكومي قياساً بعام 2008، الذي اندلعت فيه الأزمة المالية العالمية انطلاقاً من الولايات المتحدة، مؤكدة أن نسبة هذا الدَين الى إجمالي الناتج الاقتصادي العالمي تبلغ حالياً 75 في المئة، مقارنة بنسبة 57 في المئة قبل عشر سنوات.
ويقدّر صندوق النقد قيمة جبل الديون العامة (الحكومية) بنحو 135 تريليون دولار، ومن الطبيعي أن تتضاعف خطورة هذه الأرقام بعد إضافة ديون القطاع الخاص، الذي استفاد من «المال الرخيص» نتيجة الفوائد المنخفضة جداً، لسنوات عدة ماضية. مع العلم أن الصندوق قدر الدَين الخاص في العالم بما يساوي 225 في المئة من الناتج العالمي.
وبما أن أزمات تراكم الديون تدخل في أقنية السياسة الدولية واستغلالها في «صراع المصالح» بين الدول، فقد تعرضت الولايات المتحدة لانتقاد موسكو عندما حذرها بوتين من أخطار تراكم ديونها، وحملها مسؤولية تداعيات تأثيرها في الاقتصاد العالمي، في حين تجاهل أخطار ديون حليفته الصين، وهي تملك ثاني اقتصاد في العالم، لكنها الدولة الأولى الأكثر «مديونية»، إذ يتجاوز حجم ديونها 33 تريليون دولار، وهي الأخطر على الاقتصاد العالمي. وقد نبه صندوق النقد الدولي الى خطورتها، متوقعاً زيادتها في السنوات المقبلة، لتسجل 300 في المئة من الناتج المحلي حتى عام 2020.
نقلا عن صحيفة الحياة