الحدثتقارير وملفات
قانون الجمعيات الأهلية .. تعديل يتجاوز “مطبات” التمويل

كتب – أحمد عادل:
قبل أقل من عام، لم يكن أحد يتوقع أن يعود قانون الجمعيات الأهلية إلى البرلمان لإدخال تعديلات على بنوده، التي أثارت الكثير من الانتقادات في الداخل والخارج، فمن يتابع النبرة الحاسمة لنواب البرلمان في تلك الفترة المدافعة عن إصدار القانون بصورته الراهنة، وعدم خضوع مصر للضغوط والإملاءات، يدرك أن المسألة كانت أكبر من مجرد تشريع يصدر لتنظيم عمل منظمات المجتمع المدني، فقد حول فريق كبير من النواب الأمر إلى معركة من أجل “الاستقلال الوطني”.
اليوم يبدو المشهد مختلفا تماما، فبعد استجابة الرئيس عبد الفتاح السيسي لما طرحته إحدى المشاركات في منتدى شباب العالم، الذي استضافته مدينة شرم الشيخ قبل أيام، وما أبداه الرئيس من مرونة واضحة نحو تعديل القانون الحالي للجمعيات الأهلية، انتفضت الحكومة والبرلمان، وسرعان ما تشكلت لجنة للتنسيق بين الجانبين لوضع التصورات المقترحة للتعديل المقترح. الانتقادات التي حاصرت القانون منذ صدوره تركزت على تلك القيود التي رأي المنتقدون أنها “مبالغ بها” لتقييد حرية عمل الجمعيات الأهلية، ورأي هذا الفريق في بنود القانون محاولة لـ”تدجين” المجتمع المدني، وإدخاله “بيت الطاعة” الحكومي، وأن الأمر يتجاوز قضية “التمويل الأجنبي”، التي كانت ولا تزال نقطة ضعف في خاصرة المجتمع المدني المصري، وثغرة تنفذ منها الكثير من الطعنات التي توجه إلى هذا القطاع. في المقابل رأي المؤيدون للقانون أنه محاولة لاستعادة هيبة الدولة، بعد سنوات من “الرخاوة” في مواجهة ممارسات رأى أنصار القانون “ضد الدولة”، ووصل الحد ببعض المهاجمين للجمعيات الأهلية وبخاصة العاملة في مجالات حقوق الإنسان إلى اعتبار تلك الجمعيات “حصان طروادة”، الذي تسعى القوى المناهضة لمصر إلى اختراق الجبهة الداخلية من خلالها.
وما بين رماد المعركة الحامية بين المؤيدين والمعارضين ضاع الكثير من الحقائق، منها أن منظمات المجتمع المدني تعد شريكا أساسيا في معركة التنمية التي تحظى بأولوية على الأجندة الرسمية، على الأقل في الوقت الراهن. ويبلغ عدد الجمعيات الأهلية والمؤسسات فى مصر حتى أكتوبر 2017 نحو 48,300 منها 29,043 نشطة والعدد الأكبر منها فى القاهرة والجيزة والإسكندرية وهى موجودة ومنتشرة فى كافة محافظات مصر بما فى ذلك المناطق الحدودية.
وهناك 12 ألف جمعية نشطة تنفق نحو 10 مليارات جنيه سنويا على العمل المجتمعى، فيما يبلغ عدد المنظمات الدولية العاملة فى مصر 96 منظمة فقط، أي أن نسبة الأخيرة لا يتجاوز ٠٫٨٪ من إجمالي عدد الجمعيات.
وفي مقابل بضع عشرة جمعية تعمل في مجال حقوق الإنسان، نجد الغالبية الكاسحة من الجمعيات الأهلية تعمل في مجال الخدمات الثقافية، ورعاية الفئات الخاصة والمعاقين، ورعاية الشيخوخة والمساعدات الاجتماعية، ورعاية الأسرة والأمومة والطفولة، وتنظيم الأسرة ورعاية المسجونين، فضلا عن جمعيات تتخصص فى حماية المستهلك والتنمية الاقتصادية للأسرة وتنمية الدخل وحماية البيئة والحفاظ عليها وأصحاب المعاشات والدفاع الاجتماعى.
والحقيقة التي تكشفها الأرقام أن الحكومة هي التي تحتاج منظمات المجتمع المدني، بدرجة تفوق حاجة الأخيرة للأولى، فدور منظمات المجتمع المدنى فى القضاء على الفقر يمثل ضمانة مهمة لعدم انزلاق كثير من الأسر إلى حافة الهاوية الاجتماعية، حيث تقدم تلك المنظمات مساعدات نقدية وعينية موسمية أو دورية لمليوني مواطن فقير.
بل إن منظمة واحدة وهي بنك الطعام المصرى تساهم فى إطعام 250,000 أسرة شهرياً فى 2016 وتوفير 4,926,376 وجبة مدرسية لإجمالى 30 مدرسة، ووفقاً لبيانات هيئة الرقابة المالية، كما يستفيد 1.6 مليون مواطن من أنشطة التمويل المتناهى الصغر التي تقدمها الجمعيات الأهلية، وتقدر قيمتها بحوالى 3.9 مليار جنيه.
ولا يقل الدور الذي تقدمه تلك الجمعيات في مجالات الصحة والتعليم وتوصيل المرافق أهمية عن الأدوار السابقة، لذلك فإن الحكومة بحاجة إلى الاعتراف أولا بما يقدمه القطاع المدني، ولابد أن يكون اتجاهها نحو تعديل القانون لإتاحة مزيد من حرية العمل لتلك المنظمات معبرا عن الإيمان بجوهرية الدور الذي تلعبه الجمعيات الأهلية، وليس استجابة لرغبة رئاسية، أو محاولة – بحسب رأي بعض المراقبين- لاستباق ضغوط يمكن أن تمارسها النخبة الأمريكية المنتمية للحزب الديمقراطي، والتي حققت صعودا لافتا في انتخابات التجديد النصفي الأخيرة للكونجرس، وهي النخبة التي تحظى قضايا المجتمع المدني لديها بأولوية خاصة، فالإيمان الحقيقي بدور المجتمع المدني هو الضمانة الوحيدة لخروج قانون متوازن يحقق مصلحة جميع الأطراف.