كثرت الأحاديث حول الإثارة والمتعة التي يشعر بها الإنسان أثناء مطالعته لإحدى قصص الرعب، حيث تنقله بين لحظة وضحاها من واقعه الخامل الراكد إلى آخر ملئ بالمغامرات والأحداث المتصاعدة، فيما ندر تناول ماهية المخاطر النفسية التي قد تلحق به بعد انتهائه منها، وأبعادها التي قد تصل أحيانا إلى حد الموت.
تحظى بجاذبية
وفي البداية نستعرض فوائد قراءة تلك القصص ، فمن جانبه أوضح كارل يونغ المحلل النفسي السويسري، أن قصص الرعب باعتبارها تجسد كتابيا أحداثا خارقة فإنها تحظى بجاذبية، لكونها تعبر عن الإنسان البدائي الذي كان يميل إلى العنف أكثر منه للتحضر، حيث تحفظ صفات الإنسان العنيفة والأولية في العقل الباطن، لتظهر في صورة رغبات يعبر عنها جمع من الممارسات يقع في مقدمتها متابعة هذا النوع من القصص.
تطهر المشاعر
فيما فسر الدكتور دولف زيلمان، سر انجذاب الناس للقصص المخيفة أو “المؤذية” شعوريا، بأنها وسيلة للتطهير يستخدمها الإنسان للتخلص من مشاعره السلبية، تحدث هذه العملية دون قصد أو وعي منه بذلك، فقد يتوقف ادراكه عند حد أنه يمارس فقط شيئا مرغوبا، وبالرغم من هذا التفسير الفلسفي إلا أن قراءة قصص الرعب طبقا للدراسات الحديثة، تقوم بتعزيز هذه المشاعر وتزيد من انجذاب الإنسان نحو الممارسات العنيفة، على العكس تماما إذا ما قورنت بغيرها من القصص الرومانسية والساخرة، التي تدحر بحق المشاعر السلبية وتميت داخل الإنسان الرغبة في الممارسات العنيفة.
الرعب على مواقع التواصل
لم يتوقف الأمر عند حد الإعتماد على قصص الرعب الورقية، وإنما امتد لعرض بعض منها عبر صفحات مواقع التواصل الإجتماعي، للتيسير على محبيها ومتابعيها مطالعتها، حيث صممت حسابات عدة على موقع التواصل الأزرق فيسبوك، اتخذت جميعها “قصص رعب” اسما لها، وتولت مهمة نشر قصصا تتضمن العلاقة بين الجن والإنس، توضح الفظاظة التي يتعامل بها ساكني العالم الآخر مع الإنسان، كما تصف هيكل الجان بأسنانه الحادة ووجهه الذي يتخذ لون الدماء، وجحوظ عينيه، وقصصا أخرى تسرد كيف يأكلون البشر بعضهم بعضا، كما تتناول طبيعة حياة مصاصي الدماء، أيضا كان لموقع التغريدات القصيرة “تويتر” نصيبا في الترويج لهذا النوع من القصص.
تؤدي إلى الانتحار
ورغم فوائد تلك القصص ، إلا أننا على الجانب الآخر ، نجد أنها تحمل العديد من المخاطر ، فطبقا لدراسة أجراها عدد من الباحثين بجامعة لايدن الهولندية حول الأخطار التي قد تلحق بمتابعي قصص الرعب، تبين أنها تؤدي إلى الموت أحيانا، وبرغم تركيز الدراسة على نوعية القصص المرئية، إلا أنها أكدت تضرر قراءها أكثر من مشاهديها، لكونهم يعتمدون فقط على حاسة البصر، بينما يعتمد القارئ على كافة حواسه لاستجلاب الصورة بما يتناسب مع ما يطالع من أحداث، الأمر الذي تتزايد معه فرص حدوث اضطرابات في الدورة الدموية، يلازمها ارتفاع بهيرمون الأدرينالين، الذي يؤثر سلبا على أداء القلب.
الإكتئاب المميت
واستمرار للأضرار التي تسببها تلك القصص ، فقد أكد الدكتور رشاد علي عبد العزيز، أستاذ الصحة النفسية، بجامعة الأزهر بالقاهرة لبوابة “الديوان” ، أن هذا النوع من القصص يتناول الموضوعات المخيفة، والكثير من الصراعات والدماء والقتل، فضلا عن الأشباح والجان والموتى، لذلك تمثل خطرا على محبيها ومتابعيها قد يصل إلى حد الدفع للانتحار، حيث يصاب القارئ بالاكتئاب نتيجة خوفه من رؤية ما قام بقراءته أثناء نومه، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث اضطرابات في الساعة البيولوجية، وهو ما يسمى بـ”الأرق”، ومع الاستمرار في مطالعة تلك القصص تزداد حدة الاكتئاب لدى القارئ بصورة تفقده شهيته لتناول الطعام، وتجعل نظرته للحياة تشاؤمية، تدفع به كل هذه التطورات في بعض الأحيان إلى الانتحار.
تهيؤات
وبينما كان يعبر بعض رواد الشبكات الاجتماعية عن فرحتهم بحسابات “قصص رعب”، لكونها توفر لهم كل ما هو جديد من القصص المخيفة، حذر آخرون من تأثير نفسي خطير أصابهم جراء ديمومة مطالعة هذا النوع من القصص، وهو وقوعهم فريسة لحالة من التهيؤات، حيث سخر صاحب حساب “رجل الشتاء” ضمنيا من تلك الحالة قائلا: “استمتع بلحظات قد تكون مخيفة مرعبة وقد تكون بداية لدخول ضيف جديد في حياتك”، في تعليق له على إحدى القصص المنشورة بموقع التواصل “فيسبوك”.
كما تفاعل محمد علاء مع ذات القصة ولكن بطريقته الخاصة، حيث قام فور انتهائه من قراءتها بنشر تجربته السيئة مع القصص المخيفة والمرعبة، والتي تضمنت: “اتعودت أقرأ قصص رعب كتير، وبسبب ده بدأت احس بعد فترة بتهيئوات، مرة كنت نايم انا عندى اخت صغيرة عمرها 4 سنين، بليل والنور كان مطفي قلقت بفتح عينى لمحت اختى عمالة تقف وتقعد كل خمس دقايق وفجأة ملقتهاش قصادي ولقيتها نايمة في مكانها عادي”.
فيما كشفت حنان حسان هي الآخرى عن حالة الاضطراب النفسي التي تصيبها في حال ما أتمت قراءة قصة من هذا النوع، فقد اعترفت أنها قرأت الكثير وكانت تستخدم خيالها لاستجلاب الأحداث مصورة، أدى هذا الأمر بها إلى الإصابة بحالة من التهيؤات، نظرا للخوف الشديد الذي كانت تتعرض له بعد الإنتهاء من قراءة كل قصة تثير رغبتها.
وهو ما أكده أيضا الدكتور رشاد عبدالعزيز قائلا: “يعاني قارئ قصص الرعب من الخيالات أو التهيؤات فور انتهائه من مطالعتها، لأنه يعيش وقتا طويلا مع الأشباح والأرواح الهائمة، ما يضعه في حالة من عدم الاستقرار النفسي بعد ذلك”.
الهوس النفسي
وأضاف “رشاد”،لم يتوقف الأمر عند هذا الحد من الأخطار بل يتحول من كونه مجرد حالة من التهيؤات إلى الإصابة بالهوس النفسي أو ما يطلق عليه “هلاوس نفسية.
وبالرغم من القاسم المشترك بين الهوس النفسي والتهيؤات، إلا أن الفرق بينهما يبدو واضحا، حيث أن الأخيرة تكن في المقام الأول عملية خيالية يتولى القيام بها عقل وخيال القارئ، بسبب ما يختزنه من أحداث وصور لشخصيات مخيفة، بينما يعتمد الهوس النفسي على الحواس فقط دون غيرها، كما يختلفان في كون التهيؤات خطرا يسبق الإصابة به عملية الهوس النفسي.
قلق ومخاوف
هذا وقد تناولت دراسات عدة المواقف المزعجة التي يتعرض لها الإنسان جراء مطالعته لقصص الرعب، فضلا عن الخبرات السيئة التي تلم به، وورد بها أيضا أن هذا النوع من القصص يؤثر تأثيرا بيناً على شخصية الفرد وتوازنه النفسي، وهو ما أكده أستاذ الصحة النفسية “رشاد”، لافتا إلى أن من بين تلك الخبرات الإصابة بالقلق، الذي يعتبره البعض شيئا هينا لا يرتقي من حيث الخطورة إلى مستوى الإكتئاب أو الهوس النفسي، وهذه حقيقة علمية، ولكن يحتاج الأمر إلى اهتمام بالغ في حال الإصابة به بعد مطالعة الكثير من قصص الرعب، لأنه يتحول إلى مرض نفسي قد يلازم الإنسان لسنوات طويلة.