كريم عادل يكتب _ الأموال الساخنة ” الأسباب – المخاطر – البدائل “
الدكتور كريم عادل
خبير اقتصادي ورئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية
نتيجة الأحداث الاقتصادية المتسارعة والأزمة الروسية الأوكرانية وما ترتب عليها من اضطرابات اقتصادية وخروج استثمارات أجنبية نتج عنها أزمة اقتصادية عالمية أدت إلى اتجاه الفيدرالي الأمريكي لرفع معدل الفائدة لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية قصيرة الأجل ( الأموال الساخنة ) بهدف توفير السيولة ومواجهة التضخم، وهو ما دفع البنوك المركزية في مختلف دول العالم أن تخطو نحو نفس الاتجاه برفع أسعار الفائدة لديها بهدف الحفاظ على الأموال الساخنة لديها من الخروج والاتجاه نحو الفائدة الأعلى ، ولاستقطاب المزيد منها في ظل مساعي كل دولة لجذب مثل تلك الأموال لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية .
وفي ظل انتشار ذلك المصطلح وتداوله عبر المواقع والصحف والقنوات الإخبارية المختلفة وفي الأوساط الاقتصادية ، وجب التعريف بالأموال الساخنة وطرق تدفقها والمخاطر الاقتصادية من تدفق تلك الأموال لاقتصادات الدول والبديل لها الذي يساهم في الحد من تأثيراتها السلبية على اقتصادات الدول التي تعتمد بصورة كلية عليها .
فالأموال الساخنة ( Hot Money ) هي جميع التدفقات المالية التي تدخل الدولة أو تخرج منها بهدف الاستثمار والاستفادة من وضع اقتصادي خاص فيها ، مثل ارتفاع معدلات الفائدة أو تدني “سعر صرف” العملة المحلية مقابل الدولار الأميركي ، وغالباً ما تكون موجهة نحو الاستثمارات قصيرة الأجل .
وتضمن الأموال الساخنة حصول المستثمرين على أسعار فائدة مرتفعة ، وينتقل هذا النوع من الأموال من الدول التي تكون فيها أسعار الفائدة منخفضة إلى الدول ذات أسعار الفائدة المرتفعة .
وتدخل الأموال الساخنة لبلد ما أو تخرج منه بعدة طرق للاستفادة من تدني العملة المحلية ، وارتفاع أسعار الفائدة ، أو الاستفادة من النمو المتسارع للاقتصاد ، ومن طرق دخول هذه الأموال والأكثر شيوعاً ( استثمارات في أذون الخزينة أو السندات التي تطرحها الحكومة بغرض الاقتراض – استثمارات في أسهم الشركات المدرجة في البورصة وذلك للاستفادة من تدني العملة المحلية مقابل الدولار الأميركي مما يمكن المستثمرين الخارجيين من شراء عدد كبير من الأسهم – الاستثمار في شهادات الإيداع التي تطرحها البنوك بهدف جذب المستثمرين الخارجيين الذين يسعون للاستفادة من الفوائد المرتفعة ) .
إلا أن دخول هذه الأموال يظل محفوفاً بالعديد من المخاطر ، حيث تعد الأموال الساخنة استثمارات لا يُعَول عليها في النمو الاقتصادي ، فهي تعطي مؤشرات وهمية عن النمو الاقتصادي في البلد الذي تكون فيه ، لأن هذا النوع من الأموال سريع الخروج من اقتصاد البلد في حال حدوث أي اضطراب ، مما يؤدي إلى عدم استقرار في السوق ، وإن المستثمرين في هذه الأموال دائماً ما يتوجهون للبلدان التي تشهد نمواً متسارعاً في الاقتصاد الوطني .
ومن أبرز الأمثلة التي تعكس مدى خطورة الأموال الساخنة على اقتصادات الدول هي دولة الصين ، حيث تعد الصين من أكبر الأسواق التي تجذب الأموال الساخنة ، ففي بداية القرن الحادي والعشرين شهد الاقتصاد الصيني نمواً متسارعاً أدى لجذب الكثير من الأموال الساخنة للاستثمار فيها ، مما أدى إلى ارتفاع أسعار أسهم الشركات الصينية ارتفاعاً ملحوظاً ، ولكن بعد الانخفاض الذي شهده اليوان الصيني عام 2013 تكبدت الصين خسارة تقدر بنحو 300 مليار دولار خلال تسعة أشهر فقط بين عامي 2014 و2015، وذلك بسبب خروج العديد من المستثمرين أصحاب الأموال الساخنة على نحو سريع من السوق الصينية .
وبعد أن تبين خطورة الاعتماد على هذا النوع من الاستثمارات قصيرة الأجل ( الأموال الساخنة ) ، وتأثيراتها السلبية على الاقتصاد التي تعتمد بصورة كلية عليها، والتي قد تمتدت لعقود طويلة حتى يمكن التعافي منها ، أصبحت الدول تدرس كيفية تقليص الاعتماد عليها والاتجاه نحو تهيئة البيئة التشريعية والبنية التحتية والتوسع في العلاقات التجارية والاستثمارية بهدف جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاعات إنتاجية وخدمية مختلفة ، تساهم في توفير النقد الأجنبي وتحسن المؤشرات الاقتصادية الكلية ، مما يعكس صورة حقيقية لنمو الاقتصاد ، وبما يجعله قادر على مواجهة الصدمات الخارجية والأزمات العالمية المختلفة .