محمد صلاح يكتب : معارضون ولكن ظرفاء!
ليس سراً أن كوادر ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين يسيطرون على الآلة الإعلامية القطرية، ولهذا يطل إعلاميون أو سياسيون من عناصر الجماعة عبر الفضائيات، التي تبث من الدوحة أو إسطنبول أو لندن، ليوصلوا الليل بالنهار هجوماً على الحكم في مصر، وكل جهة أو شخص أو دولة ساندت ثورة الشعب المصري ضد حكم الجماعة، وكذلك الدفاع عن السياسات القطرية والمواقف التركية الداعمة للإخوان والمسوِّقة للإرهاب! هؤلاء لا تفوتهم أيضاً الإساءة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين، والصيد في مياه كل مشكلة، واقتناص كل مشهد أو محفل أو قرار للنيل من التحالف المعارض لدعم قطر للإرهاب، فالكائن الإخواني بالأساس لا يعترف بوطن أو حدود أو مسألة السيادة، كما أن الصدمة الكبرى التي أصابت الجماعة وقادتها وكوادرها وعناصرها حين أطاح الشعب المصري أحلام التنظيم في حكم أكبر دولة عربية، والانطلاق منها إلى حكم بقية الدول الأخرى، جعلت ردود فعل الإخوان تركز على الثأر من المصريين وكل الشعوب الأخرى التي ساندتهم.
لكن، يبقى تساؤل يتعلق بهؤلاء الناشطين الذين اختاروا أن يمتطيهم الإخوان وأن يسوّقوهم للسير في طريق الجماعة واللجوء إلى قطر أو تركيا أو بريطانيا وممارسة التحريض ضد دولهم من هناك! خصوصاً أن الخطاب السياسي الذي يروّجون له يتعارض بالأساس مع قناعاتهم الفكرية والسياسية، وربما المذهبية، بل إن بعضهم أمضى سنوات يحذر الناس مما وقعوا فيه هم أنفسهم الآن!. تحول الأمر إلى مجال لـ “التسلية” بين الناس الذين وجدوا المعارضين الظرفاء يضحكونهم، خصوصاً أن التقدم في تكنولوجيا الاتصال سهل نشر وبث كلام “الثورجية” السابق عن خطر الإخوان في الاستحواذ، ورغبة تركيا في إعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية، والجنوح القطري نحو تفتيت المجتمعات وإشاعة الفوضى وتقسيم الدول، ليكون للإمارة الصغيرة دور يفوق حجمها. والمقارنة مع كلامهم بعدما حجزوا أماكنهم في الاستديوات والفنادق والفيلات والقصور عن الظلم الذي تعرض له الإخوان، والمواقف التركية القوية، وجهود قطر في دعم الشعوب لتنال حريتها!
عموماً، ليست ظاهرة جديدة فرار معارضين لنظام حكم ما ولجوؤهم إلى دولة ما، أو تنقلهم بين دول عدة خشية البطش بهم، أو رغبة في مزيد من الحرية في التعبير عن آرائهم ومبادئهم، أو مواقفهم التي قد تخضعهم، في حال بقائهم في بلدانهم، للمساءلة أو التوقيف أو المحاكمة. لكن الجديد أن المعارض الفار صار مؤيداً وداعماً ومستميتاً في الدفاع عن أنظمة حاكمة تؤذي شعبه وتسعى إلى إسقاط دولته وتنفق الأموال لهدم وطنه!
على مدى عقود لجأ معارضون مصريون مثلاً إلى دول غربية وأخرى عربية طلباً للأمان، أو مساحة أكبر من الحرية، ومن هناك مارسوا السياسة والهجوم والنقد على رغم أن قواعد اللجوء السياسي تحظر على اللاجئ ممارسة العمل السياسي ضد الدولة التي ينتمي إليها، وظلت علاقة هذه الدولة أو تلك بمصر تحدد المساحة التي ينشط فيها ذلك المعارض. واحتضنت مصر في عصور مختلفة معارضين أو مسؤولين سابقين ينتمون إلى دول عربية لكنها حظرت عليهم دائماً استخدام أراضيها للإساءة إلى حكام تلك الدول، ومن السنوسي إلى نميري تبقى نماذج أخرى لمعارضين، أو مسؤولين سابقين، لجأوا إلى مصر لكنهم لم يتحولوا نجوماً في الاستديوات، أو أسسوا منصات إعلامية للهجوم على أنظمة الحكم في دولهم، بل إن ظهورهم في المحافل العامة ظل شحيحاً ونادراً، وفي أحيان كثيرة محظوراً.
وكما أفرز الربيع العربي دماراً وخراباً فإنه أفرز أيضاً تحولاً في أنماط المعارضة ومعايير الوطنية، وصار المعارض يسوِّق وطنيته بمدى دفاعه عن قطر وترويجه للمواقف التركية وإظهار ولائه للإخوان! والمثير للسخرية أن الناشط الفار بعيداً من وطنه استقر في فضائية أو صحيفة أو مركز بحثي أو حقوقي، بعدما اختار أن يفقد حريته بتلبيته للأوامر، دفعه اليأس من العودة إلى “الوطن” لأن يبالغ في إنجاز مهمته فأضاف إليها توسيع دائرة الشتائم وتنويع قذائف السباب وتحريك منصات الهجوم لتتوزع على مصر والسعودية والإمارات والبحرين وإشاعة مناخ الإحباط لدى شعوب الدول الأربع، والسخرية من كل إنجاز يتحقق فيها، وتفتيت كل نجاح تحققه مؤسساتها، وتعظيم أي سلبيات تقع في ربوعها، لكن، قبل كل هذا وذاك، الاستماتة في الدفاع عن قطر وتلميع تركيا وتبييض وجوه الإخوان!
نقلا عن صحيفة الحياة