موريتانيا على صفيح ساخن..اعتقالات وتظاهرات وانقلاب ضد الرئيس
تشهد الساحة الموريتانية انقساما حادا وغضبًا عارما من قبل نشطاء المعارضة والحكومة، بلغت حد اتهام النظام بالخيانة وضرب عرض الحائط بكل الرموز الوطنية، وذلك على خلفية القرار الحكومي بتغيير العلم والنشيد الوطني للبلاد اعتبارا من 28 نوفمبر الماضي في الذكرى الـ 58 لاستقلال البلاد، وهو القرار اعتبرته المعارضة وليد اغتصاب واضح للدستور، ومازالت حتى الآن ترفع العلم القديم.
وتم عرض تعديلات دستورية، من ضمنها تعديل العلم الوطني، في شهر أغسطس الماضي، على استفتاء شعبي، وحقق أغلبية ساحقة، تزامنا مع مقاطعة المعارضة لهذا الاستفتاء، الذي أُرغمت عليه الحكومة بعد أن رفضه مجلس الشيوخ، حيث شكل عدد من المثقفين والسياسيين وكبار الشخصيات في موريتانيا جبهة رافضة لتغيير النشيد والعلم.
اعتقالات وتنديدات
وشهدت الساحة الموريتانية امس السبت، شرارة غضب جديدة، مما أسفر عن اعتقال عدد من نشطاء المعارضة، وذلك إثر تظاهرات منددة بتغيير العلم والنشيد الوطني الجديد، ورفعوا خلالها شعارات مطالبة بتحقيق التغيير وإسقاط النظام الحاكم في موريتانيا.
وجابت ثلاث مسيرات شوارع نواكشوط، قبل أن تلتقي عند “ملتقى طرق مدريد” لتتوجه فيما بعد إلى ساحة ابن عباس حيث أقيم مهرجان خطابي، وقاموا برفع العلم القديم للبلاد خلال مسيرات دعوا خلالها إلى تغيير نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز ورفضوا تغيير علم البلاد ونشيدها الوطني، وهو ما اضطر الشرطة إلى اعتقال عدد من المعارضين وأزالت العلم القديم عن الحافلات والسيارات التي كانت تنقل المتظاهرين.
كما رفعت المعارضة في المسيرة، التي شارك فيها بكثافة نشطاء حزب تكتل القوى الديمقراطية، شعارات مناصرة للقدس وفلسطين وتنديد بالقرار الأميركي الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل، وأعلنوا رفضهم تغيير الرموز الوطنية (النشيد والعلم اللذين تم استبدالهما مؤخرا)، وأكدوا أن “موريتانيا أصبحت مختطفة من قبل النظام الحالي الذي لا يفوت فرصة دون أن يسيء إلى الرموز الوطنية”.
ودعا قادة المعارضة الشعب الموريتاني إلى “التعبير بقوة عن رفضه لسياسة النظام الحاكم”، وعبّروا عن رفضهم لـما وصفوه بـ “الاستبداد، والدكتاتورية، وتقييد الحريات في موريتانيا”، وطالبوا بـ “إطلاق سراح المعتقلين، ومن بينهم عضو مجلس الشيوخ السابق المعتقل حاليا محمد ولد غده”.
العلم القديم والجديد
واشتد حدة هذا الانقسام في الخامس من شهر أغسطس الماضي، حيث أجرت الحكومة الموريتانية، استفتاء دستوريا أفضى إلى تغيير علم البلاد ونشيدها، بالمقابل قاطعت قوى المعارضة الرئيسية الاستفتاء الدستوري ووصفته بـ”المزوّر”، وأعلنت عن رفضها لكل ما يترتب عليه وتمسكها بعلم ونشيد البلاد القديمين.
وكان العلم الموريتاني القديم اعتُمد في 1959، ويتكوّن من أرضية باللون الأخضر، تتوسطها هلال ونجمة خماسية باللون الأصفر، وترمز النجمة الخماسية إلى أركان الإسلام الخمسة، في حين يرمز الهلال إلى الحياة الجديدة والسعادة والبركة والنور الأول والوقت الجديد، كما يرمز إلى فتح الإسلام كعصر جديد للبشرية. واللون الأخضر هو لون الإسلام، والأصفر يجسّد عظمة الصحراء.
وأما العلم الجديد، وبناء على نتائج الاستفتاء تم الاحتفاظ بشكل العلم القديم مع إضافة شريطين باللون الأحمر من الأعلى والأسفل؛ وذلك للرمز أن دماء الموريتانيين ستظل مبذولة دون استباحة أرضهم، وتم أيضا اعتماد كلمات نشيد وطني جديد للبلاد، مكوّن من 13 بيتا، واختارت الحكومة ذكرى عيد الاستقلال من أجل رفع العلم الجديد فوق مباني المؤسسات الحكومية، وعزف النشيد الجديد، للمرة الأولى.
المعارضة والحكومية والتجديد
وحول أسباب الحكومة بشأن هذا التجديد المرفوض من قبل المعارضة، قال وزير الثقافة والصناعة التقليدية الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية محمد الأمين ولد الشيخ: “إن العلم الموريتاني الجديد والنشيد الوطني جاءا تجسيدا لحق المقاومين في تخليد بطولاتهم، وأصبحا يمثلان كل الابعاد الوطنية التاريخية كما يقدمان الدليل الساطع على أن موريتانيا كانت محمية من قبل كما هو الحال” .
وعن موقف المعارضة من ذلك العلم، فقال المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، أكبر ائتلاف معارض في موريتانيا، إن العلم الجديد هو وليد اغتصاب واضح للدستور، في إشارة إلى الاستفتاء الشعبي الذي تقول المعارضة إن عمليات تزوير واسعة حدثت فيه.
وقال المنتدى في بيان له الشهر الماضي: “إن العلم والنشيد الوطنيين كانا محل إجماع واعتزاز من لدن كل الموريتانيين، ورمزا لوحدة هذا الشعب وتجسيدا لإرادته في العيش المشترك على هذه الأرض”، مضيفًا أن الشعب الموريتاني برهن على تمسكه بهذا العلم وهذا النشيد وتعلقه بهما”.
وأكد المنتدى أن العلم الجديد هو “إهانة لأجيال متلاحقة من الموريتانيين والضباط والجنود تربوا في ظله، وخنجر مغروس في صدر الوحدة الوطنية”، مضيفًا أن النشيد الجديد هو في الحقيقة سيمفونية تأبين للأخلاق والقيم والديمقراطية في هذا البلد.
واختتم المنتدى بيانه قائلا: “إن العلم والنشيد الجديدين غريبان على هذا البلد، على شعبه وعلى تاريخه وعلى تراثه”، مشيراً إلى أنهما “علم ونشيد موريتانيا الجديدة، موريتانيا النهب والتجويع واغتصاب السلطة والتهميش والإقصاء”، وأكد أن “الأكثرية الساحقة من الشعب الموريتاني لم ولن تتقبلهما علما ونشيدا”.
انقسام سياسي
وأسفر العلم والنشيد الوطني الجديدين اقساما سياسيا حادا خلال احتفال موريتانيا بعيد الاستقلال الـ 57، فبينما وضعت السلطات اللمسات الأخيرة على احتفالات عيد الاستقلال، صعّدت المعارضة من خطاباتها المحذرة من ما سمّته مخاطر قد يتسبب فيها اعتماد الحكومة لعلم ونشيد جديدين للبلاد دون توافق وطني.
فمن جانبها ترى المعارضة أن تغيير النشيد والعلم “غير مبرر ومحاولة لتفكيك انسجام المجتمع”، فيما ترى الحكومة وأحزاب الأغلبية أن “الخطوة كانت ضرورية لإعادة الاعتبار لشهداء المقاومة، والاعتزاز بالأرض والتضحية من أجل البلد”.
ومع أن المعارضة لا تزال ترفع العلم القديم في أنشطتها، إلا أن وزير الداخلية أحمد ولد عبدالله، حذّر في مؤتمر صحافي سابق، من أنه لن يسمح بعد 28 من شهر نوفمبر الماضي، برفع علم غير العلم الجديد، داعيا المعارضة إلى “الاعتراف بالأمر الواقع”.
ولا زال الجدل بشأن النشيد الوطني الجديد، يتفاعل بقوة في الأوساط السياسية وحتى الشعبية؛ إذ رافق تلحين النشيد الجديد الكثير من الجدل بسبب إشراف فنان مصري على تلحينه.
ووجه مثقفون انتقادات لاختيار مصري لتلحين النشيد الجديد، معتبرين أنه كان من الأنسب أن يتولى ذلك ملحن موريتاني.