أحمد صبري يكتب : حكاية العمر
حكاية العمر حكاية تبدأ بأثنين .. و هي دائما بتبدأ بأثنين .. شاب بأحلام الشباب و طموح الشباب و بنت بأحلام البنات و طموح البنات…الشاب كان زي أي شاب..عايش سنه..شيك جدا و مثقف جدا وطموح جدا حلمه زي أي شاب و طبعا كلنا عارفين الشباب عايزين إيه..عايزين يتجوزوا.
و البنت كانت زي أي بنت .. عايشة سنها..شيك جدا و مثقفة جدا و طموحة جدا..نفسها تحقق ذاتها و نفسها تنطلق و تشتغل و تثبت وجودها… الشاب قابل البنت و أعجب بيها ..حبها و حلموا مع بعض و زاد حلم جديد..حلم عش الزوجية مملكتهم الجديدة بقوا بيحلموا هيجيبوا ايه في بيتهم و هيكون شكله إيه و بقوا بيحلموا بيوم الفرح و هيكون فين و هيعزموا مين و مرت الأيام و جه يوم الفرح..ليلة جميلة لكل العيلة..ليلة بداية مشوار..مشوار حياة..ليلة دبت فيها الحياة في المملكة الجديدة..عش الزوجية..حياة هتبدأ بأول خطوة تخطيها العروسة بباب شقتها و عيناها بتلمع من الفرحة بتحضن كل ركن في الشقة..كل حاجة جديدة..كل حاجة بتلمع..لسه ريحة الدهان.
و تمر الأيام و الليالي لحظات سعادة مبتنتهيش..لغاية ما جه يوم تعبت فيه البنت و الدكتور بشرها انها حامل..و بدأت مرحلة جديدة في حياتهم..مرحلة جديدة من السعادة ممزوجة بالقلق .. بالخوف .. بالتعب
الأثنين فرحانين بالمولود اللي جاي بس الفرحة لها ثمن غالي اوي..أيام و ليالي طويلة من الإنتظار و الالم و المعاناة و الفرح .. الأم تعبانة مفيش راحة في الوقوف و لا الجلوس و لا فيه راحة و لا نوم مش قادرة تتقلب حتي ..الأكل مالوش طعن و الأكلات اللي كانت بتحبها مبقتش بتحبها و بالرغم من كل ده مازالت مطالبة بشغل البيت و برغم كل ده متشوفهاش إلا مبتسمة و كأن كل ده و لا حاجة . و بعد كل ده الجنين باشا مش عاجبه فيرفص جوه بطنها و هي تضحك رغم الألم و تقول للأب شوفت إبنك؟شقي من يومه..و الأب قلبه بيتألم لألمها قلقان عليها..خايف عليها..رايح جاي بيها علي الدكتور و تمر الشهور علي الحال ده و تيجي لحظة الولادة و الأم في ألم شديد و رهيب..أول مرة تخوض التجربة و أول مرة في حياتها تتألم بالشكل ده و يستمر الألم و العذاب لغاية ما يخرج الوليد للدنيا..خرج الجنين للدنيا و صرخ و بكي و الأم بعد التجربة الرهيبة ديه جسمها كله منهار و بيترعش و عرق بارد علي الجبين و دموع الألم في عيناها و ايدين بيترعشوا ممدودين بلهفة عاوزة ابنها ..تلمسه..تحضنه و تبوسه و دموع الألم بقت دموع فرح..تحضنه بعنيها و بقلبها و تدعيله و تبكي .. أول حضن في حياتك و أول قبلة في حياتك كانت من أمك. و بالرغم من كل المعاناة ديه تفضل الأم تحن لإبنها و تعطف و تخاف عليه و تشتاقله و تدعيله و تستحمله و تحكي و تتحاكي عليه و تمدح فيه و يمكن تقول حاجات مش فيه بس هي شايفاه كده أحسن واحد في الدنيا لإنها أم . لغاية هنا و الحكاية دائما بتتكرر بنفس السيناريو و الأحداث لكن بعد كده بتتشعب و تتنوع و تكتر الكادرات.
شايف هنا كادر فيه أم سهرانة طوال الليل لإن طفلها الرضيع مش جايله نوم و شايف في كادر تاني أم قاعدة وسط اطفالها زي الطير في العش عمالة تتحايل علي ده ياكل و علي ده يشرب و علي ده علشان يكمل أكله أصلها متقدرش تسيبهم من غير اكل لإنها أم .
و شايف كادر تاني فيه أم قررت تتخلي عن كل أحلامها .. قررت تسيب شغلها و تتفرغ لتربية الضيف الجديد في حياتها .شايف أم سابت الدنيا و عاشت تبني دنيا جديدة للضيف الجديد ..تحلم معاه أحلامه..تبني معاه قصور الخيال في حلم جميل من أحلام الأطفال تتخلي عن أحلي سنين عمرها و تبقي قده و أصغر منه كمان
و شايف في كادر أم سهرانة جنب ابنها المريض..عيناها بتغفل لكن ترجع تفوق بسرعة أحسن إبنها يحتاج منها حاجة..ترقيه و تدعيله و الإبن يصحي الصبح ..بقي أحسن كتير لكن ماخطرش في باله يقولها شكرا يا أمي
و في كادر تاني شايف السنين بتمر و الأب و الأم نسيوا أحلامهم و بقي حلمهم هو تحقيق أحلام ولادهم .. و الأب شاف إنه علشان يحقق حلم أولاده لازم يسافر يشتغل بره .. علشان بيحب زوجته و أولاده لازم يبعد عنهم..معادلة صعبة..شايف الإب بيودع الزوجة و الأولاد بإبتسامة و نفس العين اللي كانت بتبتسم مليانة بالدموع في الطريق إلي المطار و عدت ساعات السفر و وصل الأب لبيت الغربة و دخل لقي صمت مستنيه..فين صوت الأولاد..فين ضحكهم..خناقاتهم..طلباتهم..ضحكهم..لمتهم حواليه..فين كلمة بابا
و شايف في كادر تاني بيت..نفس البيت اللي كان كل شىء فيه جديد يوم الفرح بس الحيطان اترسم عليها و البيبان اتجرحت..شايف جنب التليفزيون نضارتين واحدة للنظر و الثانية للقرأة و شايف علي الكومودينو دواء الضغط و أخر للسكر و شايف صالة واسعة فيها واحدة ست قاعدة وحيدة .. نفس الست اللي كانت في يوم عروسة و كانت عيناها بتلمع من الفرحة..قاعدة وحيدة مع إن البيت مش فاضي فيه ناس معاها بس الإبن في أوضته علي النت و قافل الباب و البنت في أوضتها بتتكلم في التليفون و قافلة الباب و هي في الصالة وحيدة بقالها كتير ما سمعتش كلمة إزيك..عاملة إيه؟مبسوطة؟زعلانة؟اهي كلمة بتنضاف لرصيد الكلمات اللي قربت تنساها و اللي بدأت بكلمة شكرا.
و في كادر تاني شايف أب راجع من السفر..من الغربة..كله شوق لأولاده لكن اولاده كلهم شوق للهدايا اللي معاه..و صالة البيت بدل ما كان فيها أم وحيدة بقي فيها أب و أم و حيدين بالرغم إن البيت مش فاضي.
و في كادر تاني شايف أثنين..شاب بأحلام الشباب و طموح الشباب و بنت بأخلام البنات و طموح البنات..الشاب زي أي شاب عايش سنه .. شيك جدا..مثقف جدا و البنت زي أي بنت عايشة سنها..شيك جدا .. مثقفة جدا و…..استنا استنا استنا..انت بتعيد الحكاية؟! ..أنا معدتش الحكاية..الحكاية هي اللي بتعيد نفسها بس المرة ديه فيه كادر فاضي فيه بيت كان يوم جديد و في الصالة أب و ام وحيدين بس المرة ديه البيت كان فعلا فاضي..