أزواج التخلّي لا التحلّي
بقلم/ شيماء سحاب
المحامية والمستشارة بالنقض
خلاصة ما أود البوح به في هذا المقال هو ما أسمعه على ألسنة الكثيرات يُصدّقهن الواقع المعيش وأعرف أن لديكم منه الكثير والكثير
لقد اتفقن في الشكوى وفي الأسباب.. ومع ذلك، هل لدى الأزواج والآباء الشجاعة لأن ينصتوا إليهن؟ هل السعادة -في نظرهم- لا تتحقق إلا بالتخلّي؟ وهل فكرة “التحلّي” دخلت متاحف التاريخ؟
كل ما أتمناه أن يحتوي بعضنا بعضا، دون منّة ولا افتخار، حتى لا يصبح الخوف كاسرًا للجميع ومفترسا للجميع!
الآن، أصوات منكرة متداخلة ترن في أذني تصيبني بالصداع:
“تركني لكي يشبع رغباته.. تركني رغم كل ما تحملت معه من صعاب.. تخلّى عني وأنا مريضة، ضعيفة.. هجرني بلا مأوى وبلا مال.. ألأني قد كبرت في السن ولم أعد جميلة في نظره يتركني؟”
لا يختلف اثنان في أن القوامة نزعة متأصلة لدى ابن آدم، ومهما قيل فليس هناك ما هو أروع من صفة “الرجولة” وهي الصفة التي لها معايير وسمات لا يمكن بحال أن تنطبق على ما سبق وأوردته من مثال.
ولذلك؛ فليسمح لي القارئ ألا أخاطب المعنيين بالشكوى المدانين المذنبين في حق زوجاتهن بلفظ “الرجل”؛ وإنما يكفي صفة الزوجية “الزوج” أو “الأب”.
فيا أيها الزوج: هل أعطاك الله من فضله لكي تبخل ثم تفتري على من اخترتها بإرادتك زوجة لك ورفيقة حياة دون بقية النساء، فحملت وأنجبت وسهرت وأطعمت ومرَّضت ونظمت ورتبت ونظفت واقتصدت ووفرت فكانت الشعلة المضيئة في حياتك؛ تتجنى عليها وتسيئ بها الظن، وتحملها فوق ما تطيق وتتخلى عنها وتقفز من المركب وتتركه دون رَبّان؟
والآن، وبعد التخلّي عن أسرتك لإشباع نزوة من النزوات الفارغة هل فكّرت فيما بعد الفِراق من تفكك أسرتك وضياع أطفالك وكسر قلب زوجتك؟
يا أخي، إذا أردت أن تتحلّى بزوجة ثانية، فأقل شيء: لا تتخلى عن أم أولادك ولا تُقصّر في حقها حتى لا تبوء بإثمها وذنبها (فتكون من الخاسرين).
أولادك سيكبرون ولهم الله سبحانه وتعالى نعم المولى ونعم الوكيل يقيهم السوء ويصرف عنهم البلوى وينجيهم من الضياع وحينئذ سيتخلون عنك وقت احتياجك إليهم والأيام دول وكما تدين تدان.
ثم يا أخي، إذا أردت التحلّي بحق، فتحلّى بمكارم الأخلاق تجاه أسرتك وبنيك ووطنك والناس أجمعين.
وإذا أردت التخلّي بحق، فتخلّى عن اتباع الهوى والجري وراء الشهوات والنزوات وجاهد نفسك في هذا، وجاهد شيطانك؛ فهذا هو نعم الجهاد (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا).
نعم، تحلّى بالإحسان إلى من أحسن إليك، والوفاء إلى من قدّم لك خدمة أو معروفًا. وتذكر أن الحرَّ من راعى وداد لحظة وانتمى إلى من أفاده لفظة، وهل يمكن أن تنسى يا رجل خدمات زوجتك؟ (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟).