أسعد تلحمي يكتب : حرب الكراسي بين أعضاء الكنيست العرب
يعكس الردح المتبادل بين «الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة»، و «التجمع الوطني الديموقراطي»، وهما اثنان من المركّبات الأربعة لـ «القائمة العربية المشتركة» في الداخل الفلسطيني (المركّبان الآخران: «الحركة الإسلامية– الشق الجنوبي»، و «الحركة العربية للتغيير»)، هشاشة هذه القائمة وهزالة الادعاء بأنها أقيمت كهدف استراتيجي ضروري لمواجهة التطرف اليميني في الشارع والكنيست الإسرائيليين على السواء، المتمثل بسيل جديد من القوانين العنصرية التي تبغي تضييق الخناق على أكثر من مليون ونصف مليون عربي في إسرائيل، وتمهد لإضفاء شرعية دستورية وقانونية على التمييز العنصري ضدهم من خلال تأكيد أفضلية «يهودية» الدولة على «ديموقراطيتها».
ومنذ أشهر خمسة تنهمك «المشتركة» في نفسها، تاركةً «الميدان لحميدان» اليميني يصول ويجول في الكنيست، فيما مركباتها تتقاتل في ما بينها على كرسي في الكنيست والأموال التي يعود بها هذا الكرسي شهرياً لصاحبه، والأهم لحزبه.
واندلعت المشكلة في أعقاب استقالة النائب باسل غطاس («التجمع») الاضطرارية من عضويته بعد «صفقة الادعاء» التي أبرمها مع النيابة العامة التي قضت باعترافه بإمداد أسرى فلسطينيين بشرائح هاتف نقال (وهي مخالفة جنائية)، في مقابل استقالته من الكنيست ودخول السجن لعامين فقط. ومع استقالته انخفض تمثيل حزبه «التجمع» في القائمة إلى ثلاثة نواب فقط ليدّعي الحزب لاحقاً بأن هناك اتفاقاً بأن يكون له أربعة ممثلين ما يعني وجوب استقالة أعضاء على قائمة المرشحين لتمكين المرشحة عن الحزب نيفين أبو رحمون من دخول الكنيست.
ومع هذا المطلب اندلع خلاف بين مركبات «المشتركة» ارتفعت نيرانه ولمّا تخمد حيال الاختلاف حول تفسير الاتفاق الذي يتحدث عنه «التجمع».
ومنذ أشهر، تشهد الصحف المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي تلاسناً بين المركبات المختلفة خصوصاً بين «الجبهة» و «التجمع» تجاوز في الأسابيع الأخيرة حدود الآداب، فتراشق مسؤولاه اتهامات التخوين للأحياء والموتى على السواء، ما أثار، وما زال، استياء الجمهور العربي من القيادة المفترض أن تمثله.
لم تكن ولادة «المشتركة»، قبل ثلاث سنوات، يسيرة أبداً، بل شهدت مخاضاً طويلاً. فالشراكة فرضت على الأحزاب العربية الأربعة بعد رفع نسبة الحسم إلى 3.25 في المئة وهي نسبة لا يصل إليها أي من الأحزاب الأربعة بمفرده، وهذا كان هدف صاحب قانون رفع نسبة الحسم المتطرف أفيغدور ليبرمان آملاً بتبخر العرب من الكنيست. ووجدت الأحزاب العربية نفسها أمام «لا مفر» التحالف معاً وإن بررته لاحقاً بـ «إرادة شعب»، لكن على مدار شهرين دار صراع مرير بينها، ليس على برنامج القائمة، السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي أو غيرها، إنما على ترتيب القائمة. وتدخلت قيادات حيادية ونجحت في التوفيق بينها في اللحظة الأخيرة وتشكيل قائمة ظفرت بـ13 مقعداً بفضل تصويت أكثر من 80 في المئة من المصوتين العرب لها.
ولم تمر سوى فترة قصيرة حتى اندلعت من جديد الخلافات بين المركبات، فلم يتفق الأعضاء على هوية رئيس القائمة، واختلفوا في ما بينهم على البيانات الصادرة، حتى بلغت القطيعة ذروتها في الأشهر الأخيرة حول قضية التناوب بين الأعضاء، وهي مشكلة لم تجد حلها بعد.
وينعكس هذا الخلاف العلني على الجمهور نفسه، ولم يكن مفاجئاً أن تشير الاستطلاعات إلى خسارة «المشتركة» مقعدين في انتخابات مقبلة، وإلى عدم رضى الناخب عن أدائها.
كان مأمولاً أن تكون «المشتركة» بداية عهد جديد لبلورة مشروع جامع للأطر المختلفة، وأن تحمل أسلوباً جديداً في العمل السياسي الفلسطيني في الداخل. كما راود الناس أمل بأن القائمة ستعكس «إرادة الشعب» حقاً، لكن سرعان ما تبدد الأمل وبان جلياً أن الخلافات الشخصية والمناكفات والكيْدية والكراسي أقوى من إرادة الشعب.
وبين عبث أعضاء الكنيست العرب بلعبة الكراسي ومردوداتها المالية، والتطرف المتصاعد من اليمين في سن قوانين عنصرية جديدة، يشعر المواطن العربي المسكين أن توقعاته بغد أفضل، ضاعت بين أرجل هؤلاء وأقدام أولئك، متشائماً من احتمالات أن تتبدل الأحوال في المستقبل المنظور على الأقل.
نقلا عن صحيفة الحياة