fbpx
الرأي

الدكتور ياسر حسان يكتب_ الحكومات الشعبوية تسقط في أوروبا لكن المعركة لم تنتهِ

بعد عقد من الزمن قامت فيه الحكومات الشعبوية بتقويض حكم القانون وتشكيل الدولة لصالحها في جميع أنحاء أوروبا الوسطى والشرقية، فقد زعيمان شعبويان متهمان بالتلاعب بالنظام السياسي السلطة في يوم واحد. بالنسبة لأولئك القلقين بشأن صحة الديمقراطية في أوروبا، كان فشل الرئيسين محل ترحيب كبير لأنه لم يكن متوقعاً أن يكون الفشل كبيراً إلى هذا الحد.

في جمهورية التشيك أنهت فترة الانتخابات ولاية أندريه بابيس، رئيس الوزراء الملياردير الذي يخضع للتحقيق في إساءة استخدام الإعانات المقدمة من الاتحاد الأوروبي. في هذه الأثناء في النمسا، أدى تحقيق في استخدام الأموال الحكومية لشراء تغطية إعلامية موالية إلى استقالة المستشار سباستيان كورتس -على الرغم من أن كليهما ينفي ارتكاب أي مخالفات.

في النمسا حيث يوجد كورتس الذي يبلغ من العمر 35 عامًا، الذي ساعدت سياساته الصارمة المناهضة للهجرة في صعوده السريع ليصبح رئيسًا لحزب الشعب النمساوي، ووزيرًا للخارجية ثم مستشارًا. لكن الفضيحة سلطت الضوء غير المرغوب فيه على مخاوف بشأن كيفية قيامه بذلك. في 6 أكتوبر داهمت الشرطة مقر المستشارية ووزارة الخارجية ومقر الحزب، واتهمت وحدة الجرائم الاقتصادية بوزارة العدل الحزب باستخدام أموال من وزارة الخارجية لرشوة إحدى الصحف الشعبية لنشر قصص إيجابية عن كورتس بين عامي 2016 و 2018، وينفي كورتس أنه خالف أي قوانين أو كان لديه أي علم بالمخطط. وسيبقى كورتس على رأس حزبه في البرلمان، وخلفه كمستشار حليف وثيق هو ألكسندر شالنبرج. لكن أصبح الائتلاف في خطر إذا رفض حزب الخضر الاستمرار في هذا المعترك السياسي السيء، حيث بات النمساويون مستقطبين بشدة في وجهات نظرهم تجاه كورتس.

غالبًا ما تستخدم الأنظمة غير الليبرالية إعلانات الدولة لشراء النفوذ في وسائل الإعلام. مثال ذلك حكومة المجر في عهد فيكتور أوربان الذي كان يفعل ذلك بشكل صارخ. في النمسا الأمور كانت بدرجة أقل، لكنها تحركت مؤخرًا في اتجاه مقلق، حيث تشعر المعارضة بالقلق منذ فترة طويلة من أن هذا قد يكون له تأثير خفي على حيادية التغطيات الإخبارية. وتشكل عموماً مشتريات الإعلانات الحكومية جزءًا كبيرًا من ميزانيات معظم الصحف في تلك الدول.

أما في جمهورية التشيك فقد كانت هزيمة رئيس الوزراء “أندريه بابيس” شديدة، حيث خاض حملته لفترة طويلة على خلفية مكافحة الفساد مدعيا أنه ثري للغاية بحيث لا يحتاج إلى رشاوى. بنى ثروته ابتداءً من التسعينيات من خلال إنشاء تكتل زراعي ضخم. منذ دخوله عالم السياسة في عام 2013، واجهته تحقيقات فيما إذا كانت شركته قد أساءت استخدام الإعانات المقدمة من الاتحاد الأوروبي. ويتابع مكتب المدعي العام الأوروبي هذا التحقيق الآن. وضع بابيس حصصه في شركته في صندوق ائتماني، لكن هيئة تحقيق أخرى تابعة للاتحاد الأوروبي خلصت في وقت مبكر من هذا العام إلى أن علاقاته بالشركة تشكل تضاربًا في المصالح.

في الفترة التي سبقت الانتخابات أظهرت استطلاعات الرأي أن الحزب الذي يتزعمه بابيس في المقدمة بفارق ضئيل. ولكن في الثالث من أكتوبر الحالي أصدر اتحاد الصحفيين الدوليين “أوراق باندورا”، وهي عبارة عن تحليل هائل لوثائق مسربة من الشركات المالية. وقال أعضاء الكونسورتيوم التشيكيين إن التسريبات أظهرت أنه في عام 2009 أرسل بابيس 22 مليون دولار من خلال شركة وهمية في جزر فيرجن البريطانية لشراء فيلا سرية في جنوب فرنسا.

أمضى بابيس الأسابيع الأخيرة من الحملة في تقليد خطاب مثله الأعلى أوربان في المجر الذي يهاجم الاتحاد الأوروبي، كما أنه قلد تقنيات أوروبان للتحكم في وسائل الإعلام، حيث تمتلك شركته عدة وسائل إعلام تشكل حصة 25٪ من سوق الأخبار المطبوعة، لكن أوراق باندورا حظيت بتغطية مكثفة وربما قلبت التوازن في الانتخابات. كانت نسبة المشاركة عالية خاصة بين الشباب وفي المدن حيث المعارضة قوية. حصل تحالف من أحزاب يمين الوسط على 27.8٪ من الأصوات، مقابل 27.1٪ لتحالف بابيس، وحصل تحالف أخير يضم حزباً صغيراً مع مجموعة من رؤساء البلديات ومسؤولين آخرين على 15.6٪. سيكون لديهم معًا أغلبية ضئيلة في البرلمان لأن معظم الأحزاب لم تصل إلى عتبة 5٪.

وعلى الرغم من فشله تعهد الرئيس التشيكي ميلوس زيمان، وهو شعبوي متشكك في أوروبا، بإعادة تعيينه كرئيس للوزراء بغض النظر عن نتائج الانتخابات مدعيا أن حزب السيد بابيس قد فاز بأصوات أكثر من الأحزاب الفردية الأخرى. لكن من غير المرجح أن يستمر هذا الجهد طويلاً، ومما يزيد الأمور تعقيدًا نقل زيمان نفسه إلى المستشفى في العاشر من أكتوبر. يبرر انتصار تحالفات المعارضة تكتيكًا تم تبنيه في بلدان أخرى تكافح مع القادة الشعبويين غير الليبراليين. في المجر أيضًا، تعاونت أحزاب المعارضة عبر الطيف السياسي لمحاولة الإطاحة بأوربان في انتخابات العام المقبل.

لكن معارك الاتحاد الأوروبي مع الشعبويين لم تنتهِ، هناك مواجهة أكبر تلوح في الأفق، حيث أمضت حكومة بولندا بقيادة حزب القانون والعدالة سنوات في محاولة لفرض سيطرتها السياسية على البلاد، مما جعلها في صراع مع الاتحاد الأوروبي. في السابع من هذا الشهر رفعت محكمتها الدستورية سقف المواجهة بإعلانها أن أجزاء من المعاهدة التأسيسية للاتحاد الأوروبي تنتهك الدستور البولندي، وأن القول الفصل في مثل هذه النزاعات يعود للقضاة البولنديين وليس لأعلى محكمة في الاتحاد الأوروبي. كان هذا الحكم استنادًا إلى دعوى رفعها “ماتيوز موراويكي” رئيس وزراء بولندا. مثل هذا الانفصال عن معاهدات الاتحاد الأوروبي قد يجبر المفوضية الأوروبية على حرمان بولندا من الحصول على 36 مليار يورو من صناديق التعافي من مرض كوفيد. وسوف يكون هذا أكبر تصعيد حتى الآن في الخلاف الداخلي في الاتحاد الأوروبي حول الحد الأدنى من المعايير الديمقراطية التي يجب على جميع أعضائه التمسك بها.

قرار المحكمة البولندية سيكون هو التحدي الأكبر لسيادة القانون في أوروبا؛ فمنذ أن تولى حزب القانون والعدالة الحكم في بولندا في عام 2015، وهو يحاول السيطرة على محاكم البلاد من خلال منح الحكومة سلطة تعيين قضاة مطيعين ومعاقبة من يعارض (نموذج مستعار من أوربان في المجر). وقد أدى ذلك إلى دخول بولندا في صراع أعمق مع معاهدات الاتحاد الأوروبي، والتي تتطلب من الدول الأعضاء أن يكون لها هيئات قضائية مستقلة. مُنع القضاة البولنديون من إحالة القضايا المثيرة للجدل إلى محكمة العدل الأوروبية أعلى محكمة في الاتحاد الأوروبي.

المفوضية الأوروبية التي من المفترض أنها تتابع تنفيذ معاهدات الاتحاد الأوروبي، كانت مترددة كثيراً واستغرق الأمر سنوات حتى تصل إلى عقوبات ذات معنى مع الخارجين عن قوانين الاتحاد الأوروبي. وإذا تمكنت الدول الأعضاء من تجاهل القوانين الأوروبية أو تفسيرها على النحو الذي تراه مناسبًا لها فقط، فإن المشروع الأوروبي كله سيكون محل نقاش؛ لذلك فإن الخلاف مع الشعبويين على سيادة القانون هو صراع لا يستطيع الاتحاد الأوروبي تجنبه.

زر الذهاب إلى الأعلى