fbpx
الرأي

المؤامرة الايرانية لواشنطن

الدكتور عادل عامر

أن المرحلة الحالية تشهد إعادة تفكير أمني في وسائل التصدي للتهديدات في الداخل والتي تشير إلى “اهتزاز بنيوي دفع به إلى تقليص العراق بأكمله إلى ولاية وكذلك سوريا”. في النهاية تبقى حقيقة مرّة بخصوص الذين يقفون دائماً وراء الاستفزازات في مضيق هرمز. بكل تأكيد هناك حالياً في منطقة النزاع قوىً تسعى إلى الحرب، بخلاف العقلانية السياسية والإنسانية، وهي تدرك مخاطرها، أو في أسوأ الأحوال تسعى إلى الحرب حتى كـ”حل” لصراعها مع الجانب الآخر. ويجب التحذير من هذه الأطراف.

من المحتمل أن تكون لأي حرب في الخليج عواقب وخيمة على العديد من دول المنطقة، خاصة تلك التي تنشط فيها الميليشيات العسكرية الممولة من إيران، مثل اليمن وسوريا والعراق ولبنان. ومن المحتمل أن تتأثر إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أيضاً بالحرب، وتتعرض الأخيرتان بالفعل لهجمات من قبل الحوثيين الذين تدعمهم إيران في اليمن. مثل هذه الحرب سيكون لها خاسرون فقط. يجب القيام بكل شيء لمنع ذلك، أيضاً من قبل ألمانيا وأوروبا بأدواتهما المحدودة. ومع ذلك، يجب أن نخشى أن الحرب، التي يفترض أن لا أحداً يريدها، تزداد اقتراباً.

إن تاريخ إيران حافل بمحاولات تأكيد نفوذها في الشرق الأوسط عبر اللجوء إلى العنف والإرهاب. وقد جعلت طهران من أولوياتها منذ سنة 1979 دعم الأنظمة الوحشية والميليشيات الإرهابية والانتظام في صفها بهدف تحقيق الهيمنة على المنطقة، علما بأن النظام الإيراني شريك في عملية قتل نظام الأسد لما يزيد عن 400,000 من السوريين وتشريد الملايين منهم، حيث تنتدب إيران الآلاف من جنودها للقتال إلى جانب الدكتاتورية الأسدية في سوريا، ويمثل النشاط المتزايد الذي تبديه في سوريا خاصة وفي الشرق الأوسط عامة جزء من هدفها المتمثل في فرض سيطرتها على المنطقة.

وقد أحرزت إيران موطئ قدم لها في مناطق طرد منها داعش مثل العراق ولبنان واليمن وسوريا، من خلال استغلال هذه المناطق في تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية سعيا للهيمنة على المنطقة. ونشر النظام الإيراني الآلاف من جنوده في لبنان وسوريا، كما أقدم على إنشاء مصانع الأسلحة والقواعد العسكرية والموانئ العسكرية في كلا البلدين، إضافة إلى مواصلته ممارسة إرهاب الدولة من خلال دعم وتحريض المنظمات الإرهابية في المنطقة أمثال حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي. ومن المهم الإشارة إلى أن دعم إيران للمنظمات الإرهابية ليس سرا، إذ قال زعيم حزب الله حسن نصر الله خلال عام 2016:

إن ما ترتكبه إيران من أنشطة له انعكاسات مدهشة على السلام والاستقرار العالميين بكل المقاييس، ولكن ثمة قضية أكبر بكثير يجب معالجتها، فإيران أقرب من أي وقت مضى من الحصول على قدرات نووية عسكرية، وفي حال حققت هذا الهدف، فإن العواقب السياسية والاجتماعية والاقتصادية سيكون لها وقع ملموس.

تقول توقعات الخبراء بأن إيران بعيدة سنة واحدة عن إنتاج وقود نووي يكفي لصنع سلاح نووي، فيما يرى آخرون أن إيران لا تبعد سوى ثمانية أشهر عن تحقيق الشروط المطلوبة، وبكلمة أبسط إن المجتمع الدولي له حيز ضيق من الزمان لضمان عدم امتلاك إيران للقدرات النووية.

لقد دعت إيران مرارا إلى إزالة إسرائيل، مهددة ب “محو النظام الصهيوني” و”تسوية تل أبيب وحيفا بالأرض”. ومنذ توقيع “برنامج العمل المشترك الشامل (“الصفقة الإيرانية”) عام 2015، وإيران تزيد من حدة تصريحاتها المناهضة لإسرائيل، بل قامت بجملة من الإجراءات الاستفزازية، حيث أطلقت في مارس 2016 صاروخين بالستيين كتب عليهما “يجب محو إسرائيل”، وقد لاحظ أمير علي حاجي زاده قائد القوة الفضائية لحراس الثورة أن الصاروخين كان الهدف من إطلاقهما إظهار قدرة إيران على مهاجمة إسرائيل، وأن النظام الشمولي الذي يدعو مرارا وتكرارا إلى إبادة شعب ومحو دولة من الواجب الحيلولة دون امتلاكه للقدرات النووية.

ورغم ما تراه الجهات الموقعة على “الصفقة الإيرانية” من أن الصفقة تمنع إيران من امتلاك القدرات النووية، إلا أن الثغرات التي تحتويها تسمح لإيران بزيادة مدى صواريخها وتوسيع قدرتها على تخصيب اليورانيوم، بحيث تسمح الصفقة الحالية لإيران بتطوير أجهزة الطرد المركزي، ما يقصّر الفترة المطلوبة لامتلاك السلاح النووي.

تملك ايران في المقابل قدرات مخابراتية مهمة وامكانيات للتدخل لدى جيرانها، بما في ذلك “عبر استخدام الشيعة” في بعض المناطق على حد قوله، وبالتالي فان طهران لا تريد حربا مباشرة. كما ان واشنطن بدورها لا تريد الحرب،

فإدارة الرئيس باراك اوباما “ليست مستعدة ابدا للحرب” بل مستعدة اكثر “لمواجهة سياسية دبلوماسية” لاسيما عبر الذهاب الى مجلس الامن الى جانب “تصعيد الضغط الدبلوماسي والاستخباراتي للحد من القدرة الاستخباراتية الايرانية خارج ايران” بحسب العاني. اما السعودية فتريد تجنب “حرب تدخل المنطقة في صراعات كبيرة تؤثر على التنمية” بحسب عشقي.

انه اذا ما تبين ان الاتهامات الاميركية صحيحة، فان هذا “سيؤدي الى زيادة التوتر في النقاط الساخنة بين السعودية وايران لاسيما في البحرين” التي تشهد انقساما كبيرا وغير مسبوق بين السنة والشيعة.

انه “بالتأكيد سيكون هناك رد وموقف ولكن ننتظر نتائج التحقيقات وحينها لكل حادث حديث”. والسعودية المتشككة كثيرا ازاء النوايا الايرانية النووية ستجد صعوبة اكبر في القيام باي خطوة لتحسين العلاقات مع طهران

ان “المؤامرة” المفترضة تعزز قناعة السعودية بان “اليد الطولى في ايران هي للمتشددين” وليس للمعتدلين في النظام. وفيما اكد شرقية ان “التوتر الايراني السعودي المباشر سيظل مضبوطا وتحت السيطرة”، لفت عشقي الى انه ليس للسعودية تاريخ في التصعيد القوي او “رد العنف بالعنف”. وذكر بان الزعيم الليبي السابق معمر القذافي “حاول اغتيال الملك عبد الله ثلاث مرات” دون ان يسفر ذلك عن نزاع مفتوح بين البلدين تقاس قوة الدول بما تمتلكه من أدوات للضغط والتأثير على الآخرين، وُصفت الهيمنة في أحد تعريفاتها أنها إجبار الآخرين على تبني سياسات تتوافق مع الدولة المهيمنة سواء وافق ذلك مصالحهم أم عارضها.

إلا أن قدرة الدولة على حماية الأدوات التي تسعى للتأثير بها، لا تقل أهمية عن مصادر الأدوات نفسها، فهما صنوان لا يفترقان، أداة الضغط ومعامل تأثيرها واستخدامها ، لا تدعي امتلاك قوة لا تستطيع استخدامها عند الحاجة، وإذا أردت استخدامها فعليك أن تدرك تداعيات هذا الاستخدام وإلا ستهزم.

لم تترك الإدارة الأمريكية هذا التفكير الثنائي أمام صانع القرار الإيراني، بل تجرها جرًا نحو إشعال المنطقة واستخدام أداتها الأخيرة لإحراقها وإشعال أجساد شعوبها. دخل الصراع بين المحور الأمريكي – الخليجي من جهة والمحور الإيراني من جهة أخرى في معادلة صفرية، عندما دخل الخلاف بينهما مستوى جديدًا من التأزم.

تستهدف إسقاط النظام المارق، بينما تريد الثانية التخلص من خطر سقوط مملكتها في بلاد الحرمين، لاسيما بعد تمدد الحوثيين في اليمن، أما الإمارات، فهي تدخل هذه الحرب وعينها على جزرها الثلاثة طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى التي تقع داخل مضيق هرمز، وهو ما سيمنحها قوة جديدة على قوتها، بجانب اعتماد تلك الدول على النفط بصورة رئيسية في دعم اقتصادياتها.

تمكنت إيران بفضل وجود مضيق هرمز على مساومة الغرب بصفة عامة والولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة في عدة جولات سابقة، لاسيما أن المضيق يمر من خلاله 35% من نفط العالم المنقول بحريًا و20% من تجارة النفط بصفة عامة. يبلغ عرض المضيق 50 كيلومترًا، وعمق المياه فيه 60 مترًا. عرض ممري الدخول والخروج فيه 10.5 كيلومتر، ويستوعب من 20 إلى 30 ناقلة نفط يوميًا. يعد أحد أهم وأكبر مضائق العالم، وعنصر مؤثر في معادلة القوة في النظام الدولي. ولذلك لن تسمح أمريكا بغلق طريق الملاحة بداخله، وفي حال قررت طهران ذلك، فسيعني حربًا شاملة في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى