fbpx
الرأي

المطبلاتية

بقلم_ الكاتب الصحفي
صبري الديب

أتعجب كثيرا لحالة البجاحة والابتزاز التي ظهر عليها عشرات المتملقين و”المطبلاتية” خلال الأيام القليلة الماضية، في محاولة للتربح واستثمار “السجال” الذي دار بين الدكتور “أحمد الطيب” شيخ الأزهر والدكتور “محمد الخشت” رئيس جامعة القاهرة، حول قضية “تجديد الخطاب الديني” لتوسيع هوة الخلاف الممتد منذ فترة حول عدد من القضايا العلمية والفقهية.

فعلى الرغم من “نبل الهدف” الذي يسعى اليه “الشيخ” و”الدولة” معا، وأن الموضوع لم يزد عن كونه “سجالا علميا مهذبا” حول قضية هامة وجوهرية، تحتاج إلى نقاش حر مستفيض من كل العلماء، فإنه استهوى للبعض تأويله طبقا لـ “نظرية المؤامرة” بدلا من استيعاب الرجلين من مبدأ احترام “حرية الرأي”.

حيث رأي العشرات من “المطبلاتية” في الموقف فرصة للهجوم على “الشيخ” بدعوى أنه لا يحترم الرأي الآخر، ويقف في مواجهة دعوة الدولة للتطوير والتجديد، ورأي العشرات من متملقي الشيخ في الموقف أيضا فرصة للتقرب إليه، والهجوم على “رئيس جامعة القاهرة” بدعوى أنه غير دارس للقضية و”مدفوع” لإحراج الشيخ ومؤسسة الأزهر.

وهي ذات الحالة التي امتدت توابعها، إلى حد تفسير الدعوة التي وجهها “رئيس جامعة القاهرة” لـ “شيخ الأزهر” لزيارة الجامعة والتحاور مع الأساتذة والطلاب منذ أيام، على أنها تحدٍّ وتقليل من شأن وهيبة الشيخ ومؤسسة الأزهر، في حين أن الدعوة لم تحمل سوى كل تقدير وتوقير للشيخ والمؤسسة الدينية العريقة، وجاءت كرد مباشر على التفسير الخاطئ الذي روج له البعض عقب “السجال” الذي دار بين الرجلين خلال مؤتمر الأزهر.

ولعل ما يدعو للعجب في تلك القضية التي أخذت أكثر من حجمها بمراحل، أن من شاهد “السجال” واستوعب الموقف “بحيادية” يستطيع أن يجزم بأن جرأة طرح “الخشت” هو ما دفع “شيخ الأزهر” لطلب الرد من أمين جامعة الدول العربية الأسبق “عمرو موسى” الذي كان يدير الجلسة، ورغم ما احتواه الرد من “نقد لاذع” إلا أنه لم يخرج أيضا عن النطاق “العلمي المهذب”.

وهو ما اختلف تماما عن طريقة “الردح والتشنج والتطاول” التي صدر بها “المطبلاتية” الموقف للرأي العام في عدد من وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، والذي تم تناوله من وجهتي نظر، حملت كل منها إساءة وهجوما على أي من الرجلين، وعكست بشكل مؤسف مدى التملق واستغلال الموقف، على حساب المصلحة العامة، واحترام الرأي الآخر.

للأسف، لقد وصل حجم التطاول، واستغلال “السجال” إلى حد اتهام “الأزهر” بتاريخه وعلمائه، بأنه لا يمتلك رؤية للتطوير، واتهام “شيخ الأزهر” الذي يضعه المسلمون خارج مصر في منزلة “القداسة” بالتآمر وافتعال الأزمات لتعطيل مناقشة قضايا هامة مثل “تطوير مؤسسة الأزهر، وتعديل المناهج الأزهرية، وتنقية كتب التراث” وتعمده تصدير انطباع للرأي العام بأن من يدعون إلى تطوير الأزهر يسعون إلى “هدم الدين”.

كما تم تصدير “النقاش” الذي من المفترض أن يكون “الأصل” في تناول كل القضايا القومية، على أنه جزء من الخلاف حول قضية “تجديد الخطاب الديني” في حين ان للدولة في طرح تلك القضية رأي محترم، وهدف نبيل لا يستهدف المساس بثوابت الدين أو احكامة – كما يروج البعض – ولكن فقط “تنقية كتب الثراث” مما علق بها من “أفكار خاطئة” مثل تلك التي جعلت الآلاف من الشباب المسلم ينطون تحت رايات التكفير والقتل والعنف.

في الوقت الذي يريد فيه “شيخ الأزهر” أيضا، طرح القضية بشكل ينأى بمؤسسة الأزهر عن تهمة “السياسة والتسييس” ولم يبخل في دعم هذا التوجه بالمبادرة بتنظيم العديد من المؤتمرات العلمية لمناقشة القضية، بل والإعلان في ختام المؤتمر الأخير عن إنشاء “مركز للتراث والتجديد” يضم العديد من العلماء من داخل مصر وخارجها.

إن ما دار بين “الطيب والخشت” لم يخرج عن نطاق الحوار العلمي المهذب، الذي يجب أن يكون “الأصل” في مناقشة كل القضايا.. ولكن هكذا يوظف “المطبلاتية” كل القضايا الخلافية لصالحهم، وهكذا يفسرون المواقف -حتى ولو بالزور- لنيل الرضى.. وكفى.

زر الذهاب إلى الأعلى