fbpx
أهم الأخبارتقارير وملفات

اليوم.. ذكرى بدء محاكمة أسد العرب الرئيس العراقي السابق “صدام حسين”

تقرير – محمد عيد:

قررت المحكمة الجنائية المختصة في العراق تحديد يوم 19 أكتوبر 2005 موعداً لأول جلسات محاكمة الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وذلك بعد 4 أيام من عملية الأقتراع على الدستور العراقي .

وقام الإدعاء العام في المحكمة الجنائية المختصة في العراق بتوجيه تهمة قتل 148 شخصاً من بلدة الدجيل بعد محاولة اغتيال فاشلة وقعت في 8 يوليو 1982 بتنظيم حزب الدعوة الإسلامية في العراق.

محاكمة صدام حسين يقصد التي كانت من قبل المحكمة الجنائية المختصة في العراق لتهم انتهاك حقوق الأنسان الموجه اليه في اطار الأجرائات التي تعرضت لها بلدة الدجيل في عام 1982 بعد تعرض موكب صدام أثناء مروره بهذه البلدة إلى محاولة اغتيال فاشلة نظمت من قبل حزب الدعوة الإسلامية في العراق والذي كان معارضاً لحكومة صدام حسين، وكان من شأن ثبوت التهم أن يحكم على صدام حسين بالإعدام شنقاً حتى الموت وهو ما حدث.

قبل المحاكمة وتحديداً في 30 يونيو 2004 تم تسليم الرئيس العراقي السابق مع 11 مسؤولاً بارزاً في حزب البعث “بصورة قانونية” – وليس بصورة عملية – من قبل القوات الأمريكية التي تعتقله في معسكر كروبر – Camp Cropper – بالقرب من مطار بغداد الدولي إلى الحكومة العراقية المؤقتة لغرض محاكمتهم في قضايا “جرائم حرب” و”انتهاك لحقوق الأنسان” و”إبادة جماعية”.

في 18 يوليو 2005 تم توجيه الأتهام رسمياً من قبل المحكمة الجنائية المختصة في العراق إلى صدام حسين بضلوعه بعملية “إبادة جماعية” لأهالي بلدة الدجيل في عام 1982. وفي 8 اغسطس 2005 قررت عائلة الرئيس العراقي السابق صدام حسين حل لجنة الدفاع التي كانت تتخذ من الأردن مركزاً لها واعطوا حق الدفاع إلى المحامي العراقي خليل الدليمي.

حاول فريق الدفاع مراراً قبل بدءالجلسات تأجيل المحاكمة لأسباب عزوها إلى عدم إعطاءهم الوقت الكافى لمراجعة ملفات القضية ولكن هذه المحاولات فشلت. ما أدى منظمة مراقبة حقوق الأنسان – Human Rights Watch – ومنظمة العفو الدولية إلى إبداء ملاحظات حول معايير المحكمة الجنائية المختصة التي حسب نظرهم قد لا ترتقي إلى مستوى المعايير الدولية وأبعدت الأمم المتحدة نفسها كلياً عن إجراءات المحاكمة لنفس الأسباب وللاحتمالية الكبيرة من صدور حكم الإعدام.

بثت مقاطع فيديو عن محاكمة صدام حسين حول حادثة الدجيل التي وقعت عام 1982 إبان الحرب العراقية الإيرانية عندما استهدفت حياة صدام أثناء مرور موكبه في المدينة حيث أطلق عليه الرصاص من بساتين مجاورة. تتضمن جلسات التحقيق الابتدائية محاكمة مع القاضي رائد جوحي وحدثت مشادة كلامية بين القاضي جوحي وصدام حسين حول قانونية وطريقة استجوابه. فقد حاول القاضي استجواب صدام حسين حول قضية الدجيل والتي حكم فيها باعدامه. ويشرح فيها صدام حسين كيف جرت عملية الدجيل وينفي علمه بالأجهزة التي اشتركت في اعتقال الأشخاص الذين استهدفوه ما أثار استغراب القاضي وتساؤلاته.

وكان صدام نجا من محاولة اغتيال قام بها أفراد من حزب الدعوة الذي ينتمي إليه المالكي في الدجيل والتي تبعد حوالي 40 كلم شمال بغداد عام 1982 م وعلى أثر هذا الحادث اتهم صدام بتدمير بساتين القرية وقتل 148 من سكانها كرد قاس على محاولة اغتياله. واعتقل صدام في قاعدة عسكرية أمريكية واجبر خلال المحاكمات على الاستماع إلى متهميه يتحدثون عن سلسلة الجرائم التي ارتكبها نظامه إلى أن حكم عليه بالإعدام.

ردود الفعل العراقية والعربية والعالمية

تباينت ردود الفعل على المحاكمة في صفوف العراقيين فاعتبره البعض حلما طال انتظار تحقيقه واعتبره البعض أنه محاولة من الحكومات العراقية التي أتت بعد غزو العراق 2003 وجورج بوش لصرف النظر عن الوضع الأمني السيئ ونقص في الخدمات الأساسية وتهربا من مشاكل أكبر أهمية التي تسود العراق بعد 9 ابريل 2003. وخرجت مظاهرات تطالب بالإسراع بإصدار حكم الإعدام على صدام حسين وخاصة بين صفوف الأكراد في الشمال والشيعة في الجنوب وعلى العكس تماما خرجت مظاهرات مؤيدة لصدام حسين في مناطق وسط العراق تطالب بإطلاق سراحه وعودته إلى سدة الحكم في العراق.

عربيا طالبت الكويت بإعدام صدام حسين لكونه وحسب تعبيرها “مجرم حرب” ومن الجدير بالذكر أن صدام حسين قد دافع عن قراره باجتياح الكويت عام 1990 وقال “كيف تقول وأنت عراقي “غزو الكويت” بينما الكويت جزء من العراق؟” موجها سؤاله للقاضي. في السعودية ومصر اعتبر بعض المحامين صدام حسين أسير حرب والمحكمة الجنائية المختصة محكمة غير قانونية لكونها معينة من قوة احتلال. واعتقد البعض في الشارع العربي أنّ محاكمة الرئيس العراقي السابق أمر مثير للسخرية بسبب ما وصفوه بالتناقضات على أن يقوم الاحتلال بمحاكمة زعيم دولة يمثلها قانونا ودستورا بينما “لا أحد يتجرأ حتى ولو بكلمة واحدة اتجاه أمريكا وإسرائيل وهي تسرح وتمرح في العالم كيفما تشاء وتعطي لها الحق في كل شيء تفعله” حسب تعبيرهم.

عالميا أبدت منظمة مراقبة حقوق الأنسان Human Rights Watch ومنظمة العفو الدولية ملاحظات حول معايير المحكمة الجنائية المختصة التي حسب نظرهم “قد لاترتقي إلى مستوى المعايير الدولية وأبعدت الأمم المتحدة نفسها كليا عن اجراءات المحاكمة لنفس الأسباب وللاحتمالية الكبيرة من صدور حكم الإعدام. وشهدت بعض الدول مظاهرات تطالب بإطلاق سراح صدام حسين منها على سبيل المثال مظاهرة في بنغلاديش في 20 أكتوبر 2005 وطالبوا بمحاكمة جورج بوش وطوني بلير بدلا من صدام حسين.

الرد الأمريكي

وكانت الولايات المتحدة قد رحبت بقرار محكمة التمييز العراقية تصديق الحكم بإعدام صدام حسين في قضية الدجيل. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض سكوت ستانزل إن يوم التصديق على قرار الإعدام “يمثل علامة مهمة على طريق جهود الشعب العراقي لاستبدال حكم القانون بحكم طاغية, الشعب العراقي يستحق الاشادة لمواصلته استخدام مؤسسات الديمقراطية في تحقيق العدالة, لقد حصل صدام حسين على الإجراءات الواجبة قانونا وعلى حقوقه القانونية التي حرم الشعب العراقي منها لفترة طويلة لذا فهذا يوم مهم للشعب العراقي. وقد حثت الحكومة الهندية على تخفيف الحكم على صدام حسين، وعبرت عن مخاوفها من تأخر عودة السلام للعراق.

قال صدام حسين إنه جاهز للموت فداء للعراق، وحث العراقيين على التوحد لمواجهة الأعداء, ففي رسالة كتبها في زنزانته في السجن في نوفمبر قال صدام إن موته سيجعله شهيداً حقيقياً. وقال صدام في رسالته: أقدم نفسي قربانا، إن شاء الله، سيجعلني بين الرجال الحقيقيين والشهداء. وقال محاميه خليل الدليمي لبي بي سي إن الرسالة كتبها صدام عند إصدار حكم الإعدام بحقه في الشهر الماضي.

 

الأنتقادات الموجهة إلى المحكمة

هناك عدد من الأنتقادات من اطراف عراقية وعربية وعالمية موجهة لعملية محاكمة صدام حسين يمكن اختصارها بالنقاط التالية:

اختيار قضية ثانوية ذو بعد محلي وهي قضية الدجيل الذي تعتبر قضية صغيرة الحجم والأبعاد إذا قورنت بقضايا أكبر حجما وذو ابعاد إقليمية مثل حرب الخليج الأولى وحرب الخليج الثانية واستعمال الأسلحة الكيمياوية في حلبجة شمال العراق. اعتبر البعض اختيار هذه القضية بنيت على اقتراحات من الولايات المتحدة ولم تبنى على اولويات وقناعات الشارع العراقي وكان الهدف منها هو الأبتعاد عن القضايا التي تبرز تورط الولايات المتحدة ودول أوروبية كبرى في دعم صدام حسين وبناء ترسانته العسكرية من الأسلحة الكيمياوية والبايلوجية للحيلولة دون نقل المحكمة إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي. بينما تعتبر مصادر من المحكمة الجنائية المختصة في العراق ان هذه القضية هو القضية التي يمكن اثباتها على التهمين لوجود ادلة ووثائق تبرهن صلة ربط صدام حسين شخصيا بأحداث الدجيل.

اعتبر البعض المحكمة محكمة غير شرعية أساسا لانها تشكلت بقرار من مجلس الحكم في العراق الذي كان تحت هيمنة سلطة الائتلاف الموحدة وحاكمها بول بريمر وكان العراق في تلك الفترة الزمنية دولة محتلة حسب تعريف الأمم المتحدة للحالة في العراق. وقد صدر قانون تشكيل المحكمة حسب بند في قانون إدارة الدولة للفترة الأنتقالية الذي كان مجرد مسودة دستور ولم يكن دستورا دائميا. المحكمة الجنائية المختصة من جهتها تعتبر نفسها محكمة شرعية تشكلت بقانون عراقي استنادا على دستور عراقي.

الفوضى الذي يسود معظم اجواء المحاكمة حيث يبدوا المتهمون في بعض الأحيان مسيطرين على اجواء المحكمة والقضاة يبدون كمتهمين ويرجع هذا إلى هيكلية المحكمة الجنائية المختصة والتي هي هجين أو خليط من القوانين العراقية والعالمية ولايتوفر خبرة أو ممارسة كافية للقضاة في مثل هذا الهجين القضائي. على سبيل المثال في قوانين العدل العراقية لايسمح للمتهم على الإطلاق بمناقشة الشهود أو مناقشة القاضي بل لايسمح حتى للمحامي عن المتهم بمناقشة الشهود وانما تتم هذه العمليات كلها من قبل القاضي الذي له دور رئيسي ومركزي في إدارة الجلسات. في هذه المحكمة بإمكان المتهم والمحامي عنه مناقشة الشهود وهي ظاهرة غريبة ودخيلة على القضاء العراقى. يعزوا البعض هذه الظاهرة إلى محاولة المحكمة بإعطاء انطباع بانها تستعمل المعايير الدولية. ومن الجدير بالذكر ان قضاة المحكمة الجنائية المختصة تلقوا تدريبات خارج العراق من قبل مختصين عدليين أمريكيين.

السيطرة على البث التلفزيوني للمحاكمة حيث تشرف عليها شركة أمريكية ولايتم النقل حيا على الهواء وانما بتأخير قدره 20 دقيقة ويتم قطع لقطات معينة منها وخاصة عندما يتكلم المتهمون حيث لم يحصل اي قطع للبث لحد الآن أثناء افادة الشهود(المشتكون) تعتبر المحكمة هذا الأجراء مناسبا لأسباب أمنية بينما يعتبره البعض محاولة لتزوير التاريخ.

الحكم باعدام صدام

في 5 نوفمبر 2006 اصدرت المحكمة الجنائية العراقية العليا قرارها القاضي بالإعدام شنقا على صدام حسين، كذلك اصدرت نفس حكم الإعدام شنقا على برزان إبراهيم الحسن مدير جهاز المخابرات السابق وعواد حمد البندر السعدون رئيس محكمة الثورة الملغاة. أما طه ياسين رمضان فقد حكم عليه بالسجن مدى الحياة. بالنسبة لباقي المتهمين بالقضية فقد حكم على علي دايح وعبد الله كاظم رويد ومزهر عبد الله بالسجن 15 عاما، كما افرجت عن المتهم محمد عزاوي لعدم كفاية الادلة.

تثبيت حكم الإعدام

في 26 ديسمبر 2006 أصدرت الهيئة التمييزية في المحكمة الجنائية العراقية العليا قرارها القاضي بتثبيت حكم الإعدام على صدام حسين وبرزان إبراهيم وعواد حمد البندر وأوصت بتشديد الحكم على طه ياسين رمضان وهكذا أصبح لزاما على الحكومة العراقية تنفيذ حكم الإعدام شنقا على صدام ورفاقه خلال ثلاثين يوما تبدأ في 26 ديسمبر 2006.

تنفيذ حكم الإعدام

في الساعة الخامسة وخمسة واربعين دقيقة من فجر يوم السبت الموافق 30 ديسمبر 2006 م الموافق للعاشر من شهر ذي الحجة 1427 هـ – في اليوم الأول من عيد الأضحى المبارك – تم تنفيذ حكم الإعدام شنقا على الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وبُثت مقاطع مسربة من عملية الإعدام على العديد من القنوات الفضائية.

زر الذهاب إلى الأعلى