fbpx
الرأي

اهمية منصب نائب رئيس الجمهورية في الدستور

الدكتور عادل عامر

تبيّن في ضوء التّجارب الدّستوريّة السّابقة أن حلول المشكلات التي يعانيها النّظام البرلمانيّ لن تكون مجديةً مع تحوّل النّظام إلى نظامٍ شبه رئاسيٍّ بصورةٍ فعليّة. وإلى هذا السّبب تستند موجبات إعداد التّعديلات الدّستوريّة في نموذجٍ يناسب النّظام الرئاسي.

وما من شكٍّ في أن التّعديلات الدّستوريّة التي تُعرَض بوصفها تصميمًا لنظامٍ معدّلٍ يتوافق مع واقع مصر-لكنه لا ينبغي أن يغيب عن الأنظار أيضًا أن التغلّب على المشكلات التي ستظهر في فتراتٍ متقدّمةٍ سيكون ممكنًا بترتيباتٍ تجرى داخل النّظام.

مرت مصر بمحطات دستورية مختلفة اهتمت بمنصب نائب الرئيس، لكنها تباينت في دور هذا المنصب. ويمكننا عرض ذلك في الآتي:

أولًا-دستور 1956: لم يكن هذا الدستور يتضمن أي نصوص تتعلق بذلك المنصب، لكنه تطرق إلى حالة عدم مباشرة رئيس الجمهورية لاختصاصاته، حيث نص على إنابة الرئيس لأحد الوزراء بعد موافقة مجلس الأمة، وذلك بموجب نص المادة 127 وذلك في حالة التغيب المؤقت، بينما في حالة العجز الدائم عن العمل فقد نصت المادة 128 من هذا الدستور على الإعلان عن خلوّ المنصب، ويتولى رئيس مجلس الأمة رئاسة الدولة بشكل مؤقت.

ثانيًا-الإعلان الدستوري المؤقت للجمهورية العربية المتحدة (5 مارس 1958): حيث نص ذلك الإعلان -وفقًا للمادة (46) -على أحقية رئيس الجمهورية في تعيين نائب أو أكثر وإعفائهم من مناصبهم، ولكنه لم يتناول مبدأ خلوّ منصب رئيس الجمهورية.

ثالثًا-دستور 1964: منح هذا الدستور بموجب المادة (107) رئيس الجمهورية حق تعيين نائب أو أكثر وإعفائهم من مناصبهم، وتناول حالة غياب الرئيس، حيث أشار إلى أنه في حالة قيام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية لاختصاصاته أناب عنه نائب رئيس الجمهورية، وفي حالة العجز الدائم أو الاستقالة يتولى الرئاسة مؤقتًا النائب الأول لرئيس الجمهورية، ثم يقرر مجلس النواب خلو منصب الرئيس، ويتم اختيار رئيس الجمهورية خلال ستين يومًا.

رابعًا-دستور 1971: حيث أعطى ذلك الدستور الرئيس حقًّا دستوريًّا بتعيين نائب له، وفيما يتعلق بخلو منصب رئيس الجمهورية نصت المادة 82 على أن نائب الرئيس يحل محله إذا حال مانع مؤقت من مباشرة الرئيس لمهام عمله، وتنقل هذه الصلاحية لرئيس مجلس الوزراء إذا لم يكن للرئيس نائب أو تعذر نيابته.

خامسًا-الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011: ألزم ذلك الدستور -وفقًا لما جاء في نص المادة (31) -رئيس الجمهورية بتعيين نائب أو أكثر له خلال ستين يومًا من مباشرة مهام منصبه، على أن يحدد اختصاصاته.

سادسًا-دستور 2012: لم يتناول دستور 2012 أي مواد دستورية تتعلق بمنصب نائب رئيس الجمهورية.

سابعًا-دستور 2014: لم يحتوِ هذا الدستور على مواد تختص بمنصب نائب رئيس الجمهورية.

ملاحظات أساسية

ووفقًا للتطور الدستوري لمنصب نائب الرئيس، يمكن طرح عدة ملاحظات أساسية:

أن غالبية الدساتير التي شهدتها مصر منذ عام 1952 تضمنت نصًّا يتناول مسألة تعيين نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية، مع تحديد اختصاصاته من جانب رئيس الدولة، وكذا أحقيته في إعفائهم من هذا المنصب كما أشرنا إليه أعلاه.

هناك دساتير تحدثت عن نائب واحد كما في دستور 1971، بينما باقي الدساتير التي تناولت هذا الأمر تتحدث عن نائب أو أكثر.

هناك بعض الدساتير التي أبقت على النص المتعلق بنائب الرئيس، لكن جعلته وجوبيًّا وحددت ذلك بنطاق زمني، كما هو الحال بالنسبة للإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس لعام 2011، ولكن غالبيتها تركت هذا النطاق مفتوحًا أمام الرئيس.

ظل منصب نائب الرئيس شاغرًا طوال فترة الرئيس الأسبق “محمد حسني مبارك”، باستثناء قراره بتعيين اللواء “عمر سليمان” نائبًا له في أعقاب 25 يناير 2011، بينما كانت فترة الرئيس الراحل “جمال عبد الناصر” أكثر الفترات التي شهدت تعيين نواب له.

نظمت كافة الدساتير المصرية منذ عام 1952 مسألة فراغ السلطة، وميزت بين حالتين: الأولى تتعلق بالفراغ المؤقت، حيث شرعت تلك الدساتير في وضع مادة دستورية في حالة الفراغ المؤقت الذي يحول دون مباشرة الرئيس لصلاحيته، إذ نصت على أن يحل محله رئيس مجلس الوزراء. أما الحالة الثانية فتتمثل في حالة الفراغ الدائم، وقد نصت تلك الدساتير على تولي رئيس مجلس الشعب / النواب ذلك المنصب مؤقتًا لحين انتخاب رئيس جديد، باستثناء دستوري (1956، 1971) اللذين نصّا صراحةً على أنه إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية لاختصاصاته أناب عنه نائب رئيس الجمهورية.

دوافع متعددة

تكمن الرغبة في تعديل المادة 160 من دستور 2014 خاصةً في فقرتها الأولى والخامسة، حيث تنص الفقرة الأولى منها على “إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية سلطاته، حل محله رئيس مجلس الوزراء”، ويُستهدف تعديلها لإدراج منصب نائب رئيس الجمهورية بحيث تصبح “إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية سلطاته، حل محله نائب رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء عند عدم وجود نائب لرئيس الجمهورية أو تعذر حلوله محله”.

وفيما يتعلق بالفقرة الخامسة، فيستهدف التعديل وضع ضوابط بشأن اختصاصات نائب الرئيس، وذلك منعًا لازدواجية أو ثنائية الرئاسة، حيث تنص على “لا يجوز لمن حلّ محل رئيس الجمهورية أو لرئيس الجمهورية المؤقت أن يطلب تعديل الدستور، ولا أن يحل مجلس النواب أو مجلس الشيوخ، ولا أن يقيل الحكومة، كما لا يجوز لرئيس الجمهورية المؤقت أن يترشح لهذا المنصب”. وثمة مجموعة دوافع لاتجاه التعديلات الدستورية الأخيرة لاستحداث منصب نائب الرئيس تتجلى في الآتي:

تنامي الملفات على كافة الأصعدة داخليًّا وخارجيًّا في مصر، فالوضع العام اختلف بشكل ملحوظ منذ تولي الرئيس “عبد الفتاح السيسي” الحكم عام 2014، حيث انتقل من حالة الثبات والجمود والنمطية إلى التعدد والتنوع، بما جعل مصر تنخرط في كافة المحافل الدولية والإقليمية. ولهذا، فإن ذلك المنصب سيكون أداة لمعاونة الرئيس في إدارة البلاد، وتوليه بشكل مؤقت وبصلاحيات محدودة إذا ما وُجد مانع يحول دون اضطلاع الرئيس بالمهام التي كفلها له الدستور بشكل مباشر. تنظيم الحالة الخاصة بمن يحلّ محل رئيس الجمهورية في غيابه سواء المؤقت أو الدائم.

السعي نحو بناء مؤسسات قوية ومتوازنة تستطيع القيام بالمسئوليات والصلاحيات التي كفلها لها الدستور بكفاءة وفعالية، خاصة في ظل تعاظم ذلك الدور، والعمل على إصلاح نظام الحكم والتوازن بين النموذج البرلماني والرئاسي.

خلق كوادر وأشخاص قادرين على إدارة الحكم في ظل غياب الرئيس (نيابة عنه) تجنبًا لحالة الفراغ السياسي الذي تجلى بشكل واضح في الاستحقاق الرئاسي الماضي (2018) بسبب غياب القوى السياسية القادرة على ترشيح أحد الأشخاص لإدارة الحكم واستكمال ما تم البدء فيه من مشروعات وسياسات مختلفة.

ومن أكبر المشكلات في الأنظمة الرئاسيّة (الطرق المسدودة) التي قد تظهر بين الجهازين التّشريعي والتّنفيذي. هذا الوضع الذي يمكن رؤيته في تجارب عديدةٍ يمكن أن يؤدّي إلى أزماتٍ جادّةٍ بالنسبة للبرلمان والرئيس اللذين يتحتّم عليهما مباشرة العمل في وقتٍ واحدٍ وإنهاء وظيفتهما في وقتٍ واحد. لذلك كان من الأهمّية بمكانٍ أن يجدّد الجهازان التّشريعيّ والتّنفيذيّ كل منهما انتخابات الآخر.

 ولا يمكن للمجلس أن يستعمل هذه الصلاحيّة إلا بعد موافقة أغلبية ثلاثة أخماسه، ولكن لا يتطلب استعمال هذه الصلاحية من قبل رئيس الجمهورية بالمقابل أيَّ شرط. وينظر هنا إلى اشتراط أغلبية ثلاثة أخماس المجلس بوصفه آلية للحدِّ من استعمالٍ كيفيٍّ للصلاحيّة التي يملكها المجلس، وخطوةً للحيلولة دون ظهور نتائج أكثر خطورةً عند انحدار أغلبية المجلس إلى خطٍّ يختلف عن الخطّ السّياسيّ الذي يأتي منه رئيس الجمهوريّة [

إلا أن تلك الدوافع الداعمة لاستحداث منصب الرئيس تجد في المقابل رافضين يعبرون عن مخاوفهم من تفعيل ذلك المنصب لدوافع مختلفة، لعل أبرزها أن تعدد نواب الرئيس يُضعف من المنصب والقوة التمثيلية له في كافة المحافل الدولية، فضلًا عن ضعف تأثيره في الداخل، علاوة على تحمل ميزانية الدولة أعباء إضافية لما تخصصه من نفقات لهذا المنصب.

ختامًا، إن استحداث منصب نائب رئيس الجمهورية ليس وليد التعديلات الراهنة، بل كان من المواد التي نصت عليها غالبية الدساتير المصرية وفقًا للسياقات الوطنية المختلفة التي مرت بها الدولة، واضعة ضوابط لهذا الدور بما يساهم في تحقيق الأهداف المنشودة وعدم الإخلال بمهام ذلك المنصب. والتحولات المختلفة التي تشهدها مصر خلال الفترة الراهنة تستلزم وجود نائب أو أكثر لمساعدة رئيس الجمهورية في مهامه المختلفة.

زر الذهاب إلى الأعلى