بعد زيارة «الأخضر» الأولى للعراق منذ 40 عام..خمسة مشاهد هزمت فيها الرياضة تعقيدات السياسة
بالأمس فقط زار المُنتخب السعودي الأراضي العراقية للمرة الأولى منذ أربعين عامًا، حينما وطأت أقدام اللاعبين السعوديين ضفاف الرافدين للمرة الأخيرة في 1978، حينما استضافت بغداد دورة كأس الخليج.
انقطعت زيارة «الأخضر» الى أبناء الجوار «العراق» منذ ذلك الحين تأثرًا بالمناوشات السياسية التي أثرت على العلاقة بين البلدين، و وصلت ذروتها في حرب الخليج 1990، والتي كانت السعودية في صدارة الرافضين لغزو الكويت الذي تم خلالها، وطالها من نيران الحرب المتطايرة ما طالها، والجميع يعلم أنه ومنذ ذلك الحين تم تعليق اشتراك «العراق» في بطولات الخليج.
ويجدر الإشارة هُنا الى انه عندما أوقعت القرعة مُنتخبي السعودية و العراق معًا في تصفيات كأس العالم 2002، اختار الفريقان أن تكون مواجهتيهما على أرض محايدة، فلعبا مبارياتا التصفيات في البحرين و الأردن، تجنبًا للعب في بغداد، والتي لم تجد إيران حينها غضاضة أن تواجه مُنافسها على ارضه رغم حرب السنوات الثمانية.
مُباراة الأمس، والتي استضافها ستاد البصرة الرائع، يفتح باب سرد اللحظات التي استطاعت فيه الرياضة تجاوز عقبات السياسة، وإصلاح ما أفسدته:
(1)
إيران ..التنافس ضد “الشيطان الأعظم”
ليس بعيدًا عن «العراق»، كانت «إيران» في 1998 على موعدمع تسجيل اسمها في واحدة من أهم المُنافسات الرياضية التي تجاوزت حدود السياسة.
في الحادي والعشرين من يونيو، وعلى ملعب جيرلان بليون الفرنسية، تقابل المُنتخب الإيراني، مع نظيره الأمريكي، في مباراة حبس العالم أنفاسه قبلها، نظرًا لتردي العلاقات السياسية بين البلدين، في أعقاب الثورة الإسلامية الإيرانية، والتي شهدت اقتحام السفارة الأمريكية في طهران، واحتجاز من فيها.
لاعبو الفريقين كانوا على علم بطبيعة المباراة، والأجواء التي تحيط بها، فقرروا أن يستهلوا مباراتهما في كأس العالم بالتقاط صورة تذكارية وهم يتبادلون الزهور، ويقفون جنبًا الى جنب، تأكيدًا منهم على قيمة الرياضة، وقدرتها على إذابة الجليد الذي تولده السياسة.
فازت إيران بالمباراة، بهدفين سجلها حميد رضا ستيلي و مهدي ماهديفيكا، فيما سجل للفريق الأمريكي برايان ماكبرايد، نجم الفريق حينها.
(2)
تركيا وأرمينيا ..الرياضة تُداوي جُرح المذابح
تمر السنوات، ولاتزال أذهان الأرمن تأبى أن تنسى المذابح التي تعرض لها أجدادهم، خلال الحرب العالمية الأولى على يد الأتراك، فيما يُعرف إعلاميًا بـ”مذابح الأرمن”، ويحيي الأرمن حول العالم ذكرى الضحايا كل عام في يوم الرابع والعشرين من إبريل.
في السادس من سبتمبر عام 2008، شهدت العاصمة الأرمينية بريفان، أول زيارة لفريق تركي منذ مائة عام، وذلك لتكون شاهدة على أول مباراة بين مُنتخب تركيا وأرمينيا منذ هذا التاريخ.
انتهت المباراة، والتي كانت في إطار تصفيات كأس العالم 2010، بفوز الأتراك بهدفين دون رد، سجلهما سميح شينتورك، وتونجاي شانلي.
يُذكر أن المباراة شاهدها الرئيس التركي حينها عبد الله جول، والرئيس الأرميني سرج سركسيان، واللذان أعربا عن أملهما ألا تحمل الأجيال القادمة مشاكل الماضي.
(3)
النضال ضد العنصرية في الألعاب الأولمبية
في دورة الألعاب الأولمبية عام 1968، التي استضافتها العاصمة المكسيكية، كان سباق الـ200 متر، تاريخيًا في سجل علاقة السياسة بالرياضة.
كانت «العنصرية» في الولايات المُتحدة الأمريكية ضد الأمريكيين من أصول إفريقية في أُوجه، وكان يعانى أبناء البشرة السمراء حينها من عنصرية مقيتة.
نجح البطلين تومي سميث، وجون كارلوس، من الفوز بالمركز الأول و الثالث بالسباق المُشار اليه، وفي مراسم تسليم الميداليات، اختار الرجلان أن يقفا صامتين، رافعين قبضتي يديهما وهو مُرتدين قفازات سوداء، فيما تم اعتباره الصرخة الأشد في وجه العنصرية في تاريخ الرياضة.
«سميث» قال في تعليقًا له عقب الواقعة :«عندما أفوز فأنا أمريكي، ولست أمريكيًا أسود، ولكني إذا ما أقدمت على فعل شئ خاطئ فإنهم سيقولون أني زنجي، أنا فخور بأني أسود».
(4)
يد الله و«جزر فوكلاند»
في الثاني من إبريل 1982، تدخلت الأرجنتين عسكريًا لاستعادة ما تراه حقها في «جزيرة فوكلاند»، بالمحيط الأطلنطي، لتستعيد السيطرة مؤقتًا على تلك الجزيرة للمرة الأولى منذ 149 عام، والتي كانت بريطانيا تعدها من حدود سيادة التاج البريطاني.
«مارجريت تاتشر»، رئيسة الوزراء البريطانية حينها، قررت الرد العسكري على خطوة الأرجنتين، فدفعت بقواتها الجوية والبحرية، وأنهت حربًا خاطفة مع الأرجنتين في الرابع عشر من يونيو من ذات العام.
في الثاني والعشرين من يونيو لعام 1986، بعد أربعة سنوات من الحرب، والتي ألقت بظلالها على المباراة، كان ستاد أزتيكا بالمكسيك مسرحًا لمواجهة بين المُنتخبين الأرجنتيني، والإنجليزي، في دور نصف النهائي لكأس العالم، وهي المباراة الشهيرة جدًا لعشاق النجم مارادونا.
«مارادونا» سجل في هذه المباراة هدفين لن يُنسيا في تاريخ الكرة، الأول هو ذلك الهدف الرائع الذي راوغ فيه اليساري المهاري كافة لاعبي المُنتخب الإنجليزي ليودعها بطريقة رائعة في المرمى الإنجليزي، الهدف الثاني سجله «مارادونا» بيده، وحينها علق تعليقه الشهير :«يد الله من أحرزت الهدف».
(5)
الكوريتان ..إذابة الجليد في سقيع الألعاب الشتوية
آخر مشاهد تقريرنا، تأتي من أقصى الشرق الأسيوي، وتحديدًا كوريا، والتي استضافت الألعاب الشتوية، التي تم اختتامها قبل أربعة أيام.
لحظة تاريخية شهدها حفل إقتتاح الدورة التي استضافتها مدينة بيونجتشانج الكورية الجنوبية، وذلك حينما دخل الرياضيون المُشاركون في الدورة من البلد المضيف، وجيرانهم الشماليون، تحت علم واحد، مُتجاهلين كافة الأزمات بين البلدين.
وذكر تقرير لموقع يوروسبورت أنه رغم المشكلة السياسية العميقة بين البلدين في آخر عقد من الزمن، إلا أن البلدين قررا أن يُشاركا في حفل الإفتتاح تحت علم واحد، وحمل العلم الموحد في حفل الإفتتاح الرياضي هوانج شونج جام من كوريا الشمالية، يدًا بيد مع الكوري الجنوبي وون يانجونج، وذلك في الحفل الذي استضافه ستاد بيونجتشانج الأولومبي.
ويتكون العلم الموحد من خلفية بيضاء، يظهر عليها شبه الجزيرة الكورية بالللون الأزرق السماوي، وكان الظهور الأول لهذا العلم في العام 1991، ولكن ظهوره انقطع في العام 2008.
يُذكر أن شطري شبه الجزيرة الكورية كان موحدًا حتى قبل الحرب العالمية الثانية، وقُسمت البلاد الى قسمين، في أعقاب نهاية الحرب في 1945، وتباعدت المسارات التي سلكتها كل «كوريا» منهما، إلا أن الرياضة استطاعت مُجددًا جمع ما فرقته السياسة.