كتب محيي النواوي:
“لقاء مع مصر.. مقدمات ثورة يناير (١)”
– جاءت فكرة كتابة هذه “السلسلة من المقالات”.. ذات مساء. علي مائدة عشاء في فندق “هيلتون رمسيس” برفقة مجموعة من الأصدقاء.. كان الحديث بينا يدور في إطار “الوضع السياسي في مصر” منذ ثورة ٢٥ يناير وحتي الآن.
أمتد بيننا الحديث لساعات طويلة.. حتي أنتهي ذلك الحديث بطرح من أحد الأصدقاء بأن أقوم بكتابة سلسلة مقالات عن تلك الحقبة منذ ثورة يناير وحتي الآن.
كان رأيي الشخصي تجاه هذا الطرح.. أنني لست بكاتبًا للتاريخ.. فكتابة التاريخ -في تقديري- أكبر من مقدوري.. خاصًا وإن كانت الأشخاص تنقسم بين مؤيدين ومعارضين للأحداث.. وهذا بالطبع من طبائع الشعوب والمجتمعات.. وكتابة التاريخ لا يجب أن تعتمد علي إتجاهات وأراء.
فقررت أن تكون كتاباتي بناءًا عن مقدمات أدت إلى نتائج.. وبتحليل مبسط للأشياء التي حدثت.
– من هنا نبدأ ” ما بعد السادات”.
بعد أغتيال الرئيس الراحل “أنور السادات” في حادث “المنصة” الشهير عام ١٩٨١.تولي مقاليد الحكم الرئيس “محمد حسني مبارك”.. وفي تقديري أن الرئيس “مبارك” كان الأكثر حظًا مقارنة بينه وبين الرئيسين “جمال عبدالناصر” و “أنور السادات”.
فكان “عبدالناصر” جدول أعماله مليئ بالأزمات عقب ثورة ٢٣ يوليو.. والتحول من الملكية إلي الجمهورية. والدخول في معارك وصراعات كثيرة والتي كانت بدايتها العدوان الثلاثي عقب تأميم قناة السويس.. ومن بعدهما نكسة ١٩٦٧ وضياع الأرض.. ثم الخوض في حرب الإستنزاف من أجل أسترجاع الأرض، ولكن رحل “عبد الناصر” في عام ١٩٧٠م.
– تولي “السادات” الحكم من بعد “عبدالناصر”.. وكان علي جدول أعماله صراعات سياسية متمثلة في “مراكز القوي” التي كانت موجودة وقتها.. والأزمة الأكبر هي “معركة تحرير الأرض”.
تم تحرير الأرض في عام ١٩٧٣ واتجه السادات إلي إستعادة الأرض كاملة من خلال إتفاقية السلام “كامب ديفيد” مع إسرائيل عام ١٩٧٩.
رحل السادات في عام ١٩٨١. محررًا للأرض.. بالحرب وبالسلام.
كان “مبارك” الرئيس الأكثر حظًا.. فقد جني عائد السلام دون أن يبذل جهدًا.. ونعم بهدوء دام لمدة ثلاثين عامًا.. دون أن تلتصق به إتهامات الخيانة.. وحكايات “كامب ديفيد”.. وورث الإنجازات الأسطورية لحرب أكتوبر دون أن يشاركه أحد.
– كان الفكر السياسي والإقتصادي المصري في حقبة مبارك “فكر محدود الإمكانيات” لا يمتلك رؤية للمستقبل.. وأكثر دليل علي ذلك هو صعود دولًا كانت أقل منا بكثير مثل “الصين وماليزيا والبرازيل” فكل هذه الدول أصبحت في اللازمن في الصفوف الأولي من التقدم.
إن سياسة “مبارك” في التعاملات مع الملفات السياسية والإقتصادية كانت تسير بقليل من الوعي واللافكر.. إن ما حظي به عصر مبارك من أزمات مقارنة بما حظي به عصر “عبدالناصر” و “السادات” لا يساوي شيء.
ولكن يتوجب الإنصاف هنا بدور “مبارك” الدبلوماسي.. فقد شهدت بداية حكم “مبارك” دورًا دبلوماسية كبيرًا في إعادة العلاقات الخارجية فقد أعاد مبارك العلاقات مرة أخري مع الإتحاد السوفيتي بعد طرد “السادات” للخبراء السوفيت.. وعادت مصر مرة أخري لمنظمة التعاون الإسلامي.. وفي نوفمبر ١٩٨٧ صدر قرار القمة العربية بإستئناف العلاقات الدبلوماسية بين مصر وباقي الدول العربية.
“مقدمات.. الثورة”
– إن المنهج الذي سار به مبارك في العشر سنوات الأولي قد تراجع كثيرًا.. بظهور فاسدين في المشهد السياسي.. وظهور قانون “الخصخصة” الذي في -تقديري- كان بداية للقضاء علي القطاع العام.
أصبح المشهد الإجتماعي في مصر نموذجًا لعدم العدالة يأس يليه بؤس.. كان الناس محبطون من كل شيء عدم عدالة إجتماعية.. وعدم رعاية طبية.. تعليم يلفظ أنفاسه الأخيرة ومباني متهالكه.. ووحشية في التعامل من جانب الشرطة مع كل من أراد التعبير عن رأيه.. كانت تلك معالم المشهد الإجتماعي في مصر..
فعن العدالة الإجتماعية.. كانت مجرد مقولة دون مضمون.. فأصحاب العلم والمعرفة مكانهم في المقاهي.. وأصحاب “الواسطة” مكانهم في الوزارات ومراكز إتخاذ القرار.. فساد يورث فساد.
وفي الحديث عن الرعاية الصحيحة كنا قد نري أسرة بأكملها تعاني من المرض “الأب والأم والاولاد”.. وأتذكر وأنا في الصف السادس الإبتدائي كنت في زيارة في أحد المستشفيات بصحبة والدي للإطمئنان علي أحد أصدقاء والدي فقد وجدت مبني أشبه بالسوق عشوائية داخل المستشفي.. وإذا كان المريض حاملًا لمرضًا واحدًا.. فقد يصاب بأكثر من مرض داخل المستشفي.. كانت تلك معالم مشهد متدني داخل هذه المستشفي.
وعن التعليم فكان التعليم في بلادنا ولا يزال أسوا من السوء.. ومتدهور أكثر من التدهور ومناهج تحمل تفاهات لا تواكب العصور.. ومقاعد تحتاج إلي مقاعد.. ومدرسون يحتاجون إلى مدرسون.
كنت أراقب تلك المشاهد التي تشبه حركة الكثبان الرملية.. وأنا أري دائمًا بلادي في نشرات الإعلام في مصاف البلاد المتأخرة.. وأشاهد بلاد كانت وليدة الأمس في الصفوف الأولي من التقدم.
وإن أراد أشخاص التعبير عن أرائهم.. وإيجاد حلولًا لمشاكلهم كان الرد يأتيهم عن طريق “الأعتقال”.. وأصبح كل من يرد التعبير عن رأيه يعلم أن مكانه سيكون “الأعتقال.. والتعذيب”.. فقد كان المشهد الإجتماعي مظلمًا عنوانه “لا مكان للأمل”. وعن المشهد السياسي فقد كان محصورًا بين “حسني مبارك” و “جمال مبارك”.. و “رجال الحزب الوطني”.
فإذا شاهدت المشهد السياسي في مصر في تلك الحقبة بين الحكومة ومجلس الشعب.. كان أشبه بعنوان “الذين لا يعملون.. والذين لا يعلمون”.. الحكومة لا تعمل في شيء تراقب مجلس لا يعلم شيء.. وهن علي وهن.. يختتم بكلمة “موافقون”.. ومن بعدها “يصفقون”.
– وفي عام ٢٠١٠ وصل المشهد السياسي إلي المستوي الأخير من الفساد بتزوير إنتخابات مجلس الشعب.. فكانت تلك بداية النهاية لعصر مبارك.. وإنطلاق شرارة ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١.
– يستكمل الأسبوع القادم بمشيئة الله.