حازم الامين يكتب : دعوة إلى مقاطعة الانتخابات غير «المدنية» في لبنان
نقل عن رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أن مشروعه للانتخابات النيابية المزمع إجراؤها في أيار (مايو) المقبل لا يلحظ رغبة في الفوز بأكبر تكتل نيابي في المجلس المقبل. ذاك أن الرجل حقق هذا الهدف في انتخابات 2009، وهزم حزب الله انتخابياً، لكن ذلك لم يُملِ ما تفرضه هذه النتيجة من سياسات. فالحزب، وفي اللحظة التي شعر فيها أن الحريري غير مناسب لمنصب رئيس الحكومة، انقلب على النتيجة، وأخرج ورقة «القمصان السود» فأطاح الحريري مستعيناً بسلاحه، وأحل مكانه نجيب ميقاتي الذي كان على رأس أصغر تكتل نيابي في المجلس، إذ إن عضو تكتل ميقاتي الوحيد هو النائب أحمد كرامي، والأخير عُين وزيراً.
في انتخابات 2018 اللبنانية سيكون سقف المنافسة أكثر انخفاضاً. ذاك أننا أمام مشهد سياسي لا مكان فيه لأي طموح بمنافسة حزب الله. لا الوقائع السياسية ولا المعطيات الأمنية والعسكرية المحلية والإقليمية، ولا قانون الانتخابات، تتيح ذلك.
علينا أن نذهب إلى انتخابات لا عنوان سياسياً لها. فالسلطة، أي حزب الله، أخرجت نفسها من معادلة المنافسة، وحولت الانتخابات إلى منافسة تحت سقف السياسة. وهنا يحضر مزاج «الولي الفقيه اللبناني» الذي تجرى الانتخابات تحت عباءته. قد لا ترضيه النتائج لكنها لا تهدده، وهو أقام بينها وبين السلطة الفعلية جداراً يقيه إزعاجاتها. في إيران مجالس يشرف عليها الولي الفقيه تحدد شروط الترشح، ثم تُحدد سقوف السياسات، ولا سلطة للهيئات المنتخبة عليها. في لبنان شيء موازٍ، ذاك أن الشرط الأول لتشكيل الحكومة المنبثقة من المجلس المنتخب هو أن يتضمن بيانها تشريعاً لسلاح حزب الله. وبعد هذه الخطوة يتم قتل السياسة بصفتها طموحاً في التقدم وفي تكريس سيادة القانون.
لم يكن حزب الله يوماً مرتاحاً للمشهد الانتخابي على نحو ما هو مرتاح اليوم. لا صوت واحداً في هذا الضجيج الانتخابي يقترح على اللبنانيين أن يكون انتخابهم محاولة لانتزاع الدولة قرار السلاح وقرار الحرب. كل الانقسامات الراهنة تفضي إلى القبول بحقيقة أن حزب الله سلطة خارج أوهام المنافسة. ليس ما نُقل عن الحريري وحده ما يخدم هذه الفكرة، بل أيضاً الضجيج الموازي لـ «المعترضين» على ما قالوا إنه الطبقة الحاكمة، وهم من أطلقوا على أنفسهم عبارة «المجتمع المدني»، أو الجماعات «اليسارية» التي تُحب سلاح الحزب لكنها لا تُحب فساد حلفائه وطائفيتهم!
و «الولي الفقيه اللبناني» إذ يبدو منشغلاً في الحرب بسورية، يدير اللعبة الانتخابية اللبنانية على نحو ما يديرها سيده في طهران. فهو مغتبط بحقيقة أن الحريري حفظ الدرس، وأن وليد جنبلاط يلهث وراء مقاعده المهددة بفعل القانون الجديد، وهو غير منزعج من أن الصوت الأعلى بين خصومه في أحزاب فرق الكشافة، أي القوات اللبنانية، يملك فرصاً أكبر في هذه الانتخابات، فهذا ربما أقلق الزعيم المسيحي الأوحد ميشال عون، ولا بأس من أن يتسلل بعض الوهن إلى موقع الرئاسة الذي يشعر الحزب أنه أصيب ببعض التضخم.
وفي ظل هذا المشهد تبدو الدعوات إلى مقاطعة هذه الانتخابات جديرة بأن تتحول خياراً. فالناخب اللبناني ذاهب إلى الاقتراع في انتخابات حدد له «الولي الفقيه» سقوفها. لا أحد يمكن أن يُناقش حقيقة أن نتائج الانتخابات يمكن أن تُغير شيئاً مهما حملت من مفاجآت. لا لبناني واحد يمكن أن يقتنع بأن سلاح حزب الله سيُمس حتى لو أصيب الحزب بهزيمة انتخابية مجلجلة، على رغم استحالة هذا الاحتمال.
واستبعاد السلاح عن المنافسة يعني استبعاد كل شيء. فوجود السلاح يفترض أن يكون نبيه بري أو من يوازيه رئيساً للمجلس النيابي، ويفترض أن تكون حصة ميشال عون محفوظة، ويقتضي رئيساً للحكومة تُقدم له رشاوى قبوله بالسلاح، ويقتضي أن يُفرد رصيف في مرفأ بيروت وفي مطارها خارج رقابة الأجهزة الأمنية والضريبية، مع ما يمليه ذلك من تصدر لـ «رجال أعمال المقاومة».
علينا أن نتوجه إلى صناديق الاقتراع يوم 6 أيار المقبل، للمشاركة في انتخابات خارج كل هذه العناوين. ثمة عنوان واحد لمشاركتنا فيها، سواء أدلينا بأصواتنا ضد الحزب أم معه، وهو أننا قبلنا بأن السياسة هي ما دون طموحاتنا في دولة تحتكر السلاح وتحتكر القوة، ولا تحتكر السياسة. وهذا يعني أننا سنصوت لحزب الله حتى لو صوتنا ضده.
ثم إن الدعاوى للتعامل مع الممكن، والسعي إلى التغيير بما هو متاح، تضعنا أمام سؤال الاختيار بين طائفي مع سلاح حزب الله وغير طائفي مع سلاح حزب الله، أو بين فاسد مع سلاح حزب الله وغير فاسد مع سلاح حزب الله! وهنا علينا أن نتخيل مجلساً نيابياً غير طائفي وغير فاسد لكنه مع سلاح حزب الله! ماذا يعني ذلك؟ كيف سيواجه هذا الحاكم حقيقة أن لا سلطة له على الحدود ولا على المطار ولا على المرفأ؟ كيف سيتعامل مع واقعة ممكنة تتمثل في أن أحد وجوه الحرب الأهلية في العراق (قيس الخزعلي مثلاً) دخل إلى لبنان من طريق غير شرعي وظهر في شريط مصور على الحدود؟ وماذا عن الحرب في سورية، ذاك أنها حرب لبنانية أيضاً، فهل تستقيم سياسة وبرامج انتخابية وطموحات بمستقبل أفضل من دون تناول دورنا (الكبير) فيها؟
هذا الكائن «غير الطائفي» و «غير الفاسد» والذي يعتقد أن سلاح الحزب لا يصطدم بمقولة «المجتمع المدني» يقترح علينا أن نباشر السياسة من عنده من دون أن يقول لنا شيئاً عن مستقبلنا. كيف سيذهب هذا الحاكم «المدني» أو اليساري إلى حي السلم لمعاينة أسباب سقوط المبنى على رؤوس سكانه هناك؟ وماذا لو اكتشف أن تحت المبنى مخزن سلاح للحزب؟
هو يقول إنه يريد أن يكون بديلاً لنبيه بري وبديلاً لسعد الحريري، إلا أنه لن يغير من سياساتهما باستثناء أنه سيُحل أقاربه (غير الفاسدين) محل أقاربهما.
المقاطعة هي الفعل السياسي الوحيد الذي يمكن أن يمارسه المقترع في ذلك اليوم. وإذا كان لا بد من مفاضلة، فعلى المرء أن يبحث عن «لا لولاية الفقيه اللبنانية»، وهذه لن يجدها عند «المدني اليساري» شربل نحاس، وهو ربما عثر عليها عند سامي الجميل، على رغم قبح الطائفية.
نقلا عن صحيفة الحياة