آمال طارق
وجه شخص سؤال إلى دار الإفتاء المصرية، عن الحكم الشرعي في حرق قش الأرز وحطب القطن.
يقول السائل “ما حكم قيام قطاع كبير من المزارعين بحرق قش الأرز وحطب القطن؟ خاصة بعد أن ثبت أنّ هذا التصرف عامل كبير من عوامل تَكَوُّن السحابة السوداء التي هي من أكبر مظاهر التلوث البيئي والإضرار بالصحة، والبعض يبرر ذلك بأنه للقضاء على دورة حياة الحشرات الضارة بهذه الزراعات. فما هو الواجب حيال ذلك؟”
حكم حرق قش الأرز وحطب القطن
أجابت الديار المصرية عبر موقعها الرسمي، بأن هذا التصرف حرامٌ شرعًا، وفاعله آثم؛ لأنه من المقرر في المقاصد الشرعية أنه لا ضرر ولا ضرار، أي أنه لا يجوز للإنسان أن يضر نفسه ولا أن يسعى في إيصال الضرر لغيره؛ كما أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والمصلحة العامة مقدَّمة على المصلحة الخاصة، فليس للمزارع أن يتخلص من بقايا محاصيله بطريقة تَجُرُّ الضرر إلى الناس.
أضرار حرق قش الأرز وحطب القطن
وتابعت الإفتاء: حيث أثبتت الأبحاث العلمية الطبية أنّ الأطفال هم أكثر الفئات تأثُّرًا بِتلوُّث الهواء الذي تُسببه هذه الأفعال وغيرها؛ فيُصَابون بضيق التنفس، وأمراض الشُّعب الهوائيّة، وزيادة احتمال الإصابة بالرّبو، والتهابات العين، التي تسبّب عدم وضوح الرؤية، وخفْض مناعة الجسم.
وبينَّت، أن من أكبر مكوِّنات هذه السحابة غاز أول أكسيد الكربون الذي يسبب أضرارًا بخلايا المخ، ويؤثر في الدورة الدمويّة والجهاز العصبي، وعنصر الرصاص الذي يسبب أمراض الْكُلى، وزيادة التخلف العقْلي.
حرق قش الأرز وحطب القطن يعد من الكبائر والشرك
وقالت: إذا كانت هذه الحرائق سببًا في كل هذه الأضرار الصحية -كما أثبتته الأبحاث العلمية- فإن القيام حرق قش الأرز وحطب القطن، يُعَدُّ إفسادًا في الأرض وبغيًا بغير الحق، وهذا من الكبائر التي نص الله تعالى على تحريمها بل وقرنها بالشرك به في قوله سبحانه: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 33].
ونوهت: ونعى على من يفعل ذلك وبيَّن أن هذا العمل غير محبوب عنده سبحانه فقال عز وجل: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ۞ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ [البقرة: 205-206]، وقال سبحانه: ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة: 60].
أمر الله تعالى بالتعمير والإصلاح لا بالتدمير
وأضافت الديار المصرية، قد أمر الله تعالى بالتعمير والإصلاح لا بالتدمير والإفساد؛ فقال سبحانه: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61]، وعلَّمَنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم كيف نسعى في عمارة الأرض ونجعل هذا في نفسه غرضًا شريفًا لنا حتى ولو لم نلمس نتائجه؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ» رواه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد وغيرهما.
حرق قش الأرز وحطب القطن يعد تعدِّيًا على حدود الله تعالى وانتهاكًا لحرمة البشر
وأوضحت، أنه إذا كان الشرع الشريف يأمر بالخير المجرد القاصر فإنه ينهى في المقابل عن الشر كله القاصر منه والمتعدي من باب أَولى، والإضرار بالناس على هذا النحو المدمِّر يُعَدُّ تعدِّيًا على حدود الله تعالى وانتهاكًا لحرمة البشر، وهذا أمرٌ محرَّمٌ غاية التحريم.
لا يجوز للإنسان أن يضر الناس تحت دعوى حماية زرع نفسه
وذكرت، أنه لا يشفع لِمن يفعل ذلك أنه يريد بهذا الحرق قتل الحشرات الضارة بهذه الزراعات؛ فإنه يمكن الاستعاضة عن هذه الطريقة بطرق أخرى آمنة يعرفها المختصون، ولا يجوز للإنسان أن يضر الناس تحت دعوى حماية زرع نفسه، فإن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، وإذا تعارضت مفسدتان روعي ارتكاب أخفهما لدفع أعلاهما، هذا مع أن درء المفسدة الأخف ممكن أيضًا باللجوء إلى الوسائل الآمنة.
على الدولة أن تسعى بكل ما لديها من إمكانات وقدرات للحد من خطورة هذا البلاء
وأشارت إلى أن هذه قضية خطيرة لا يجوز التهاون فيها ولا السكوت عليها، وعلى الدولة أن تسعى بكل ما لديها من إمكانات وقدرات للحد من خطورة هذا البلاء؛ بالمساهمة في توفير الأساليب اللازمة التي تساعد المزارعين على نقل قش الأرز وحطب القطن إلى حيث يُستفاد منه في الوقود والسماد مثلًا أو يُتَخَلَّصُ منه بطريقة آمنة.
وواصلت: حتى لا تُحمِّل المزارعين ما لا يطيقون، وحتى لا تترك مجالًا لتبرير هذه الأفعال، وأن تعمل على تتبع من يفعلون ذلك واتخاذ ما يلزم حيالَهم لردعهم عن إيذاء الناس والإضرار بالخلق، على أن يكون ذلك على قدم المساواة والعدالة في التطبيق بين مختلف فئات المجتمع وطبقاته.
على الناس أن يسعَوا سعيًا جادًّا لمكافحة حرق قش الأرز وحطب القطن
وأكملت، كما أن على الناس أن يسعَوا سعيًا جادًّا لمكافحة هذا الخطر الداهم، وأن يأخذوا على أيدي أولئك العابثين بمقدَّرات الخلق من غير إدراك أو وعي منهم لعاقبة فعلهم ولا لوبال إفسادهم.
ولفتت إلى أن دور الجماهير في ذلك أهم وأكثر تأثيرًا؛ فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ» رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
وتهاون الناس في هذا الأمر مع قدرتهم على المنع أو التبليغ يجعلهم مشاركين لِمَن فعل ذلك في الإثم، وإن لم يفعلوا مثل ما فعل، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا» رواه البخاري من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
وأكدت أن الله قد جعل هذه الأمة خير أمة أُخرِجَتْ للناس، وجعل خيريتها قائمة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا الواجب تُكلَّف به الجماعة كما يُكلَّف به الفرد، فعلى مؤسسات المجتمع المدني أن تسعى في توعية الناس بخطر هذه التصرفات، وأن تساهم أيضًا -قدر جهدها- في مساعدة الفلاحين على التخلص من قش الأرز وغيره بطريقة آمنة.
وشددت، أنه على أئمة المساجد وخطبائها ومعلمي المدارس دور كبير في الوعظ والإرشاد والنصح لكافة فئات المجتمع وطبقاته، وعلى مَنْ عَلِمَ بشيء من ذلك أن يعمل على منعه بنصح صاحبه أو تبليغ الجهات المسؤولة عنه.
وانتهت “الإفتاء” ليعلم أن هذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المأمور به شرعًا، لا كما يظن البعض خطأ أنه من باب الستر، فإن الستر إنما يكون على المعصية القاصرة التي لا يتعدى ضررها غير أصحابها، أما ترك من يؤذي الخلق ويفسد في الأرض مِن غير أخذٍ على يديه فهو تَسَتُّرٌ على الفساد وليس من الستر المشروع.