حسين شبكشي يكتب : أميركا وروسيا والصين: ما الذي يحدث؟!
كبار الساسة في الولايات المتحدة قلقون جداً. هناك من يعتقد أن أميركا دخلت في أزمة حادة على مستوى العلاقات الخارجية، وأن دورها في العالم تغير بشكل كبير وجذري. إدارة الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترمب أقل ما يقال عنها إنها غير تقليدية، ومثيرة. ولعل أول من يستشعر ذلك الأمر هم أفراد الحزب الجمهوري الحاكم نفسه.
مرشح الرئاسة السابق ميت رومني قرر خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة عن ولاية يوتا ليصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي كرجل «كبير» من الحزب يستطيع أن يكون حائط صد لسياسات ترمب الجدلية، وهو الدور نفسه الذي كان يقوم به السيناتور الأميركي جون ماكين، ولكن هذا الأخير أنهكه مرض السرطان وبات يصارع الموت ولم يعد قادراً صحياً على خوض المعارك السياسية. ووسط كل هذا التخبط في الداخل الأميركي، ومع وجود صدمة جراء ذلك داخل أوساط الاتحاد الأوروبي الذي كان دوماً الحليف الأهم والأقوى للولايات المتحدة، لاحظت كل من الصين وروسيا؛ كل على حدة، وجود «فرص» للتوسع السياسي وبسط النفوذ الأوسع. وكان لافتاً جداً خطاب الرئيس الصيني شي جينبينغ في مؤتمر الحزب الحاكم التاسع عشر الذي عقد في الخريف الماضي عندما قدم «خياراً جديداً للدول الأخرى» الذي سيتضمن «الحكمة الصينية والأسلوب الصيني لعلاج المشكلات التي تواجه البشرية»، وهذا الذي أوصل القناعة لدى عدد غير بسيط من كبار الساسة في الولايات المتحدة بأنهم لم يعودوا يواجهون الصين بوصفها غريماً ومنافساً اقتصادياً فحسب؛ ولكن أيضاً بوصفها منافساً سياسياً بعقيدة سياسية مختلفة.
والروس من جانبهم يتحركون لبسط نفوذهم، خصوصاً في أوروبا التي لهم فيها نفوذ هائل، مستغلين اعتماد القارة الأوروبية على الروس بصفتهم المورد الأساسي للغاز، وأصبحت للروس وسائل إعلامية مؤثرة تقدم حقائق «بديلة» ووجهة نظر «أخرى» تروج أن النظام السياسي الأميركي «مخترق» ولا يمكن الاعتماد عليه، وأن التصويت الديمقراطي ممكن «شراؤه»، وبالتالي يثيرون الشكوك حول العالم في متانة اعتمادية النظام السياسي الأميركي الذي تروجه أميركا، بينما يبسط الروس نفوذهم ويقدمون على أنهم شريك يعتمد عليه، فيعودون إلى منطقة الشرق الأوسط بعد غياب طويل، ويصبحون لاعباً مؤثراً في السياسة فيها، ويقتطعون حصة من كعكة السلام، ويصبحون صانع اللعبة السياسية في سوريا، ومشاركين في صناعة الاستقرار السعري للنفط.
الصين تقدم نفسها على أنها قادرة على التأثير السياسي عبر الاقتصاد، فيستشهد المتابع للمشهد السياسي للصين بأكثر من حادثة لافتة ذات مغزى؛ من أهمها عندما أجبرت شركة «مرسيدس بنز» الألمانية العملاقة على الاعتذار للصين بشكل رسمي لأنها استخدمت واستشهدت بمقولة لزعيم البوذيين في التيبت الدالاي لاما (وهو الشخصية التي تعدها الصين شخصية عدوانية مهددة للأمن الوطني الصيني لأنه يطالب بانفصال الإقليم عن الصين)، وكذلك حينما أقدمت الصين على معاقبة الفلبين بوقف استيراد الموز منها لأسباب «صحية»، وذلك بعد أن صرحت الفلبين بالتشكيك في أحقية الصين بمنطقة سكاربرو شول في بحر الصين الجنوبي.
وتقدم الصين إثيوبيا على أنها قصة النجاح النموذجي التي من الممكن تقليدها مع الغير، وكيف أن «الدعم» الصيني حوّل هذا البلد الأفريقي من بلد مصاب بالمجاعة والحرب الأهلية إلى قصة نجاح اقتصادي؛ ينجح في الزراعة… حتى صناعة الملابس الجاهزة. ويوضح الساسة الصينيون أنهم قدموا لإثيوبيا 1.45 مليار دولار لدعم مشروعات الطاقة لنقل الكهرباء من سد النهضة، وقدموا 2.5 مليار دولار لإنشاء خط سكة حديد يبلغ طوله 450 ميلاً يربط أديس أبابا مع ميناء جيبوتي الحيوي، وقدمت الصين 2.3 مليار دولار لدعم شبكات الاتصال الجوال وخدمات الإنترنت لتشمل التغطية المناطق النائية، وقدمت 1.63 مليار دولار لدعم الصناعات، خصوصاً صناعة السكر التي استحدثت لأجلها 4 مصانع.
روسيا والصين متصارعتان لملء «الفراغ» الذي حصل جراء الوضع السياسي الأميركي الجديد، ولكنهما تقدمان نموذجاً تبدو فيه الحريات ليست كمثيلتها في الغرب. ولكن اللعبة لم تنته بعد، فالنظام الأميركي قادر على تصحيح أخطائه، ولديه أوراق كثيرة في يده؛ بعضها بدأ في الظهور، مثل السياسات الحمائية التي لمح إليها ترمب، وذلك بإعلان قريب عن حرب تجارية لحماية أميركا. أيضاً الدولار الأميركي هو سلاح آخر فتاك… وصولاً لدورها الجديد بوصفها مصدراً للطاقة في السوق العالمية الجديدة.
المشهد المقبل في الصراع الدولي سيكون مختلفاً عما مضى، لأن قواعد اللعبة تغيرت.
نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط