fbpx
الرأي

حنان الغامدي تكتب : حتى إذا بلغت أشُدّها لأكتمال العقل وتمام الفهم واستواء الرشد

اختص الله تعالى سن الـ40 بالذكر في كتابه الكريم، قال تعالى: «حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ»، وما اختصاص هذا السن بالذكر في القرآن الكريم إلا لأنه سن اكتمال العقل وتمام الفهم واستواء الرشد لدى من بلغه، لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، ولا ميزة لأحدهما على الآخر.

والمرأة في سن الـ40 تختلف النظرة إليها باختلاف المجتمعات، فمنهم من ينظر إليها على أنها قد أصبحت في سن متقدمة جداً لا فرق بينها وبين من هي في سن الـ60 مثلاً، فكلهن في سن الشيخوخة، والبعض يراها في تمام نضجها واستواء أنوثتها، تلك النظرة تحكمها طبيعة المرأة في ذلك المجتمع والحقبة الزمنية التي عايشتها الأربعينية، فقبل 20 عاماً مثلاً كانت من وصلت سن الـ40 من النساء ترى نفسها بلغت مبلغ المسنّات لما طرأ عليها من مظاهر جسدية ونفسية جعلت من ينظر إليها يراها سيدة مسنة، في حين أنها لم تتجاوز الـ50 بعد، بخاصة أنها استهلكت صحتها لكثرة إنجاب الأبناء وتربيتهم وأعمال المنزل الشاقة، وأحياناً الأعمال الأخرى في الزراعة وغيرها في بعض المناطق، والمحظوظة منهن من رزقت زوجاً محباً كريم الخلق يجود عليها ببعض حنانه فيرحم سنها ويشكر معروفها، بينما أخريات يصلن إلى هذه المرحلة وقد أتت قسوة الزوج وصلافته وجلافته على كل منابع الحياة فيهن فجففتها ولم يبق إلا وجوهاً شاحبة تغزوها التجاعيد وتكسوها الحسرة على عمر سرق منهن دون أن يعشنه.

أما في زمننا هذا فالأربعينية بلغت من نضج الفكر واكتمال العقل ما يجعلها تستقل بذلك الفكر وتستند إلى ذلك العقل في شؤونها وشؤون أسرتها كافة، إذ منهن من هي قائدة في مؤسسة تديرها وتأتمر بقيادتها الكثيرات، فهي تخطط وتنفّذ وتقوّم وتضع الحلول وتذلل العقبات وترسم خططاً تصل بالمؤسسة إلى النجاح والتميز، وقلّما سمعنا عن قائدة كانت سبباً في فشل مؤسستها أو تدهورها، بل إنهن حصدن التميز وحصلن على أوسمة التقدير. هذا على المستوى المهني للعاملات منهن، أما على الصعيد الأنثوي فالمرأة الأربعينية اكتملت جوانب أنوثتها واستقرت، فقد أدّت رسالتها التي خلقها الله لها وأنجبت البنين والبنات وأكملت رسالتها تجاههم حتى بلغوا سنّاً تمكّنهم من شق طريقهم بعيداً عن عينيها ومن دون أن تبخل عليهم بنصحها وإرشادها، تفرّغت هي لذاتها وأصبحت لديها طقوسها الخاصة التي تمارس الحياة من خلالها، فقهوتها لا تتلذذ بها إلا حين تعدّها بيدها، ومكتبتها عامرة بما يستهوي ذائقتها الأدبية والفكرية، وملابسها تواكب موضة هي من يضع قواعدها ويرسم خطوطها، بل حتى مقتنياتها تحمل طابعاً من شخصيتها الفريدة والمميزة.

الأربعينية تصبح في سنها هذا أرق شعوراً وأندى إحساساً، فالكلمة لا تمر بسمعها مرور الكرام بل تشق طريقها عبر إحساسها، لكنها قليلاً ما تعيرها اهتماماً، فإن تسببت لها بالأذى فعيناها تنوب عنها في التعبير حتى تستريح مما عكّر صفوها. قد يظن المحيطون بها ومن يشاركونها الحياة أنها أصبحت غير مبالية بما يصدر عنهم من أفعال حتى وإن اجتهدوا في إخفائها فهي لن تخفى عنها، إلا أنها تلتزم الصمت ليقينها أنّ الكل مسؤول عن أفعاله، لكنها على رغم رجاحة عقلها ورحابة صدرها لا تغفر لمن يتجرأ على كيانها وذاتها فيمسها بما يسيء ويجرح.

 

أن تكذب على سيدة أربعينية أو تخدعها أو تستغفلها فأنت إنما تحفر لنفسك قبراً في عمق سحيق منها، تدفنك فيه فلا ترى منك إلا هيكلاً متحركاً يؤدي وظيفته في الحياة، ستتألم تلك السيدة وتتوجّع حتى تصبح لديها طاقة مناعية تحميها من الألم والوجع، فلا يغدو لأي فعل أي رد فعل ولا قيمة.

الأربعينية ثمرة طيبة وزهرة عبقة ذات جمال وأريج لدى من يقدّرها حق قدرها، فقد تجاوزت كل المراحل التي قد تستدعي منك الهجوم عليها أو الشك بها أو تعقّبها ومحاصرتها، وإنك إن فعلت ذلك فإنما تنتقص من شأن نفسك لعدم ثقتك بذاتك وعدم قناعتك بقدراتك التي تؤهلك لتكون مفضلاً لديها.

نقلا عن صحيفة الحياة

زر الذهاب إلى الأعلى