fbpx
الرأي

” حوكمة الأزمات “

الدكتور _كريم عادل
الخبير الاقتصادي
و رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية

شهد العالم على مدار العقود القليلة الماضية حدوث العديد من الأزمات المالية والاقتصادية والصحية التي أخذت طابعاً مؤسساتياً إقليميا ثم عالمياً، الأمر الذي دفع كافة الدول لوضع النظم والتشريعات اللازمة لحوكمة مؤسساتها، وأصبحت الحوكمة من أهم ركائز العمل الحكومي بوصفها مجموعة من النظم التي تحكم العلاقات بين الأطراف الأساسية التي تؤثر في الأداء، كما تشمل مقومات تقوية المؤسسة على المدى البعيد وتحديد المسؤول والمسؤولية.
فإن الحوكمة تعمل في الأوقات الطبيعية على حماية القرار بأنواع شتى، وبالتأكيد فإن الدول والجهات والمؤسسات التي طورت هذه المفاهيم في الأوقات الطبيعية، ستكون أكثر أماناً في أوقات الأزمات، والجهات التي تراخت في الأوقات العادية، ستكون عرضة للقرارات السيئة في أوقات الأزمات.

ذلك أن إدارة الأزمات تتطلب التخلي عن كثير من الإجراءات الرقابية، خاصة تلك المزدوجة منها، وذلك لتقليص فجوة الوقت بين صدور القرار والتنفيذ، وقد يجد العديد من القرارات السيئة طريقها إلى التنفيذ مع طلبات السرعة في التنفيذ وفقاً للتطورات السريعة التي تشهدها الأزمة، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة وزيادة حدتها.

فإذا لم يسبق الأزمة تنظيم فاعل متناسباً مع القواعد العامة للحوكمة، ولم تكن هناك دراسة شاملة وسجلات كافية للمخاطر ومراقبتها، فإنه من المستحيل-تقريباً- أن يتم تنفيذه في أوقات الأزمات، وبالتالي فإن احتمالات تعرض المؤسسات لمخاطر القرار الخاطئ ستكون مرتفعة جداً، واحتمالات إساءة استخدام الأصول كبيرة جداً، وقد تتفاقم الأزمات ويصعب حلها، وتنهار المؤسسات بسبب ذلك الإهمال السابق في بناء قواعد الحوكمة.
وفي المقابل، فإن اكتمال بنية الحوكمة قبل الأزمة كفيل بحمايتها من الأزمة وتبعاتها .

فالحوكمة تقتضي بناء سجل واضح للمخاطر المتوقعة، وبناء إجراءات معتمدة لمواجهتها، فإذا جاء وقت الأزمة، تصبح متوقعة وهناك قرارات ونماذج للقرار جاهزة للعمل لحماية الأصول من الاستخدام السيء، ومن التهور أو التخبط في القرارات .

فالأزمات توفر فرصاً للإصلاح والتطوير، وتمثل الأزمة اختبار قوي لمكامن القوة والضعف في مواجهة الآثار التي نتجت عن هذه الأزمة stress test .
ومن ذلك قياس درجة المرونة التي يمكن أن تواجه بها الدول الأزمات على المديين القصير والطويل، والدول الأكثر استفادة من هذه التجربة والأكثر تقدماً، هي التي لديها بنية مؤسساتية قادرة على التحرك والتفاعل السريع مع الأزمات.

زر الذهاب إلى الأعلى