خبراء: الأفلام الهابطة وغياب دور الأسرة والمجتمع سبب التغيير في سلوك الأفراد
شهدت خلال الفترة الماضية عدد من جرائم القتل والاغتصاب والتعدي بالأسلحة الخطيرة على آخرين، والتي ارتكبها أطفال بعضهم لم يتخط عامه العاشر لتتحول الطفولة إلى إجرام يُنذر بكارثة نحو مستقبل هذا المجتمع إن لم يتم معالجته من جذوره ، وكان من بين تلك الجرائم أطفال قاموا بحوادث قتل لأطفال مثلهم أو لآبائهم وكذلك أصدقائهم، لأسباب غير منطقية.
وقال خبراء ومحللون نفسيون، إن انتشار مثل هذه الجرائم من قبل متهمين هم في الأصل نواة المجتمع ومستقبله المشرق كما هو المفترض، وفي سن المتلقي الذي يستقبل البيانات ليُخرج معلومات منسقة وقوية مفيدة لنفسه وللمجتمع ولمن حوله، هي جرائم في الأصل يُسأل عنها الأسرة في المقام الأول، التي زرعت فيه مثل هذه القيم سواء كانت بسلوك التربية الحقيقة المفقودة، أو من خلال الإعلام مع غياب التوجيه السليم منهم.
وفي الأيام الماضية، لقيت فتاة مصرعها على يد صديقتها البالغة هي الأخرى من العمر 9 سنوات بفرد خرطوش أثناء اللعب بورشة أبيها، ولقي مسن بالعمرانية مصرعه على يد طفل 16 عاماً بسبب 300 جنيه، وقتل طفل صديقه بسبب معاكسة الفتيات أمام مدرسة فى عين شمس، كما قتل طفل أمه من سلاح والده الميري بالغربية.
وللتعليق على تلك الجرائم التى انتشرت فى الأونة الأخيرة، يقول الدكتور جمال فرويز استشارى الطب النفسى، أن المجتمع يواجه انهياراً ملحوظاً فى الأخلاق والعلاقات الاجتماعية، نتيجة انتشار الأفلام الهابطة التي يرى فيها الأطفال والمراهقون القدوة في الوصول إلى النجاح من خلال العنف، وغيرها من العوامل والأسباب التى تؤدى إلى انتشار الجرائم بشتى أنواعها.
وأضاف استشاري الطب النفسي، أن الأطفال فئة من المجتمع يتعرضون بشكل كبير للجرائم، سواء قتل أو خطف واغتصاب، وغيرها من أنواع العنف الذي يستهدفهم، بسبب تغير الشخصية المصرية، والمسخ الذى تتعرض له الثقافة، حيث أدى ذلك إلى انتشار ذلك النوع من الجرائم البشعة، ليصبحوا هم المجرمين الفاعلين لا المفعول بهم – حسب تعبيره.
وأكد “فرويز” أن الحل فى عودة الثقافة المصرية إلى طبيعتها، من خلال حملات توعية ممنهجة ومخططط لها بشكل كبير، تستهدف المناطق العشوائية، من خلال وسائل الإعلام، عبر تغيير خريطة واستراتيجية الأفلام والمسلسلات والبرامج، والتصدى لتلك الظواهر السلبية، بالتنسيق بين الدولة وكافة فئات المجتمع، فالحل الوحيد لمواجهة تلك الجرائم هو تثقيف المواطنين، مطالباً بإنشاء وزارة تحمل مسمى وزارة “الإرشاد القومي”، تستهدف الثقافة الجماهيرية لكافة الفئات الجمهورية.
وأرجع الدكتور هاشم بحري، رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر، إن الظواهر العنيفة تنبع من عدة عوامل ترجع في الأصل إلى الأسر أو الحي الذي تربى فيه الأشخاص، هذا بالإضافة إلى دور الإعلام الذي تراجع إلى الخلف وأصبح مؤثراً عكسياً منذ عام 2010، ليؤثر على سلوك الصغار، متهماً أفلام الممثل محمد رمضان، ومؤسسة السبكي للإنتاج الفني، بعدما رأوا فيها مثال النجاح والتفوق بعد حمل السكين وترديد الألفاظ المنبوذة، والتقليد الأعمى لتلك الممارسات التي تستهدف الانحدار بثقافة المجتمع.
وأكد “بحري” أن ارتكاب الأطفال في الفئات العمرية من 9 سنوات لـ 16 سنة، لمثل هذه الجرائم الكبرى، يأتي في إطار غياب العقل أثناء التنفيذ وعدم إدراكه لما يقوم به في هذه اللحظة، وذلك إثر تشكيل اللاوعي في العقل الباطن، ويتولد داخل الطفل العنف على أساس أنه سلم النجاح – حسب قوله.
وأوضح رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر، أن العلاج لن يكون إلا بتكاتف الدولة من خلال حملات التوعية الموجهة إلى الأسرة في المقام الأول، وأيضاً دعم الجمعيات الأهلية في المجتمع، لاستهداف الأطفال، والتصدي للفنون الهابطة، لتنشئة أجيال واعية قادرة على التمييز بين الصح والخطأ لصالح هذا الوطن، الخاسر الأكبر في هذه المعركة الثقافية الحضارية.
وقال الدكتور أحمد مهران، أستاذ القانون، ومدير مركز القاهرة للدراسات القانونية، إن المجتمع يشهد تراجعاً كبيراً في مناهج وطرق التربية، ليكون إهمال الأب والأم وغياب إدراكهم الكافي، أحد أشكال السلوك الإجرامي الذي يسلكه الأطفال بحملهم السلاح وغيره من الأشكال الأخرى، قائلاً: “الآباء فقدوا المعيار الصحيح للتربية السليمة، ودمروا الأطفال نفسياً زرعوا الجبن والخوف وكذلك سلوكيات العنف الشديد”.
وأكد مدير مركز القاهرة للدراسات القانونية، أن المجتمع بحاجة لإعادة صياغة الفكر التربوي، وتخفيف الضغوط الاجتماعية والنفسية التي لها الأثر الكبير في حياة الأفراد، وقد تخرجهم عن المألوف وتحولهم إلى مجرمين بالصدفة.
وأضاف “مهران”، قائلاً: “لو أن هناك تحديد للمسئوليات الاجتماعية المدنية، يُسأل فيها الآباء والأمهات والوسائل المختلفة المؤثرة في سلوكيات الأفراد، خاصة الأطفال، عن هذه الجرائم، فسيمكن ذلك من إنشاء ابن مسئول قادر على التفرقة بين الثواب والعقاب ومن ثم يبتعد عن كل ما هو ضار ومضار به”.