ربـح البيـع أبـا يحـيى !!
عن أبى عثمان النهرى، أن صهيبًا حين أراد الهجرة إلى المدينة، قال له كفار قريش: أتيتنا صعلوكًا فكثر مالك عندنا، وبلغت ما بلغت، ثم تريد أن تخرج بنفسك ومالك، والله لا يكون ذلك، فقال لهم: أرأيتم إن أعطيتكم مالى أتخلون سبيلى؟ فقالوا: نعم. فقال: أشهدكم أنى قد جعلت لكم مالى، فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: «ربح البيع أبا يحى.. ربح البيع أبا يحى.. ربح البيع أبا يحى».
*****
هذا موقف عظيم يقدم لنا الأسوة والقدوة فى معنى التضحية بمتاع الدنيا فى سبيل رضا الله تعالى.
فصهيب الرومى جاء مكة فقيرًا فاغتنى بها، وأصبح ذا مال وسعة من العيش، لكنه لم يركن إلى رغد العيش الذى جاءه بعد حرمان.
لم يركن إلى الغنى بعد الفقر، لكنه آثر حب الله ورسوله، وهانت الدنيا فى نظره، ورخص المال أمام رضا الله ـ تعالى ـ، فترك ماله لقريش، وفرَّ مقابل أن يتركوه لهجرته؛ كى يدرك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وليس سهلا على الإنسان أن يتنازل عن كل ثروته، لكنه الإيمان الصادق، وكم عانى صهيب أثناء رحلته الشاقة من مكة إلى المدينة فى طريق مُوحش وحرارة شديدة، لكن شوقه وحبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَسْتَفِذُّ فيه الهمة ويُهوِّنُ عليه المشقة، فلما بلغ النبى صلى الله عليه وسلم فقال: «ربح البيع أبا يحى.. ربح البيع أبا يحى.. ربح البيع أبا يحى».
وأنزل الله فى صهيب قرآنًا يُتلى، فيه مدح لهذا الصحابى الكريم، وسلوكه الإيمانى؛ كى يتأسى المؤمنون الصادقون به فى كل زمان ومكان ما دامت آيات الله تُتْلى إلى يوم القيامة، قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207))(البقرة).
وهذا الموقف الإيمانى ينادى كل مؤمن بالتضحية من أجل إقامة دين الله فى نفسه وأهله ومجتمعه.. وربح كل مؤمن يصنع ما صنع صهيب.