“ربيع عربي” جديد يدق الأبواب..

تقرير – محمد عيد:
لا يبدو ان الموجة الأولى من عواصف ما بات يعرف بـ”الربيع العربي” قد انتهت إلى الأبد بكل ما حملته من تداعيات قاسية، لا تزال المنطقة تدفع ثمنا فادحا لها، بعدما عصفت تلك الموجة ليس فقط بأنظمة وحكام ظنوا أنهم بمنأى عن التغيير، بل إنها زلزلت استقرار مجتمعات، بات من الصعب أن تعود إلى ما كانت عليه قبل ٢٠١١.
وتتجمع في أفق الأحداث في الشرق الأوسط حاليا جملة من المؤشرات التي تنبئ بأن موجة “تسونامي” احتجاجي على وشك الإندلاع، فالأحداث المتفاقمة في السودان، والتطورات المفتوحة على كافة الاحتمالات، تشير إلى أن ما شهدته المنطقة في موجة “الربيع” الأولى لم يكن كافيا لإقناع بقية شعوب المنطقة بالدول التي نجت في ٢٠١١ بأن تكف عن تكرار نفس السيناريو الاحتجاجي.
ويمكن القول إن كثيرا من الشواهد تشير إلى أن أحداث الماضي القريب يمكن أن تتكرر، فكما كانت تونس الحجر الأول في “دومينو” حراك التغيير السياسي قبل ثمانية أعوام، جاءت شرارة الإلهام للموجة الثانية من الاحتجاجات الشعبية العربية من خارج المنطقة، وتحديدا من فرنسا، مستلهمة تظاهرات “السترات الصفراء” التي يسهل أن تتكرر، ليس فقط في بعض الدول الأوروبية، ولكن أيضا في عدد من الدول العربية المأزومة اقتصاديا، والمحتقنة سياسيا واجتماعيا، والتي ربما لم تكن عوامل التغيير قد نضجت بالشكل الكامل في مطلع العقد الحالي.
وليس من الواضح – والمؤشرات هنا تستند إلى متابعة أحداث السودان – أن الأنظمة استفادت من الدروس الماضي، فمقابلة التظاهرات بغلظة أمنية دون حلول سياسيةواقتصادية حقيقية يمكن أن يفاقم الأزمة ولا يحلها، فضلا عن أن اتهامات العمالة والتخوين، لم تعد تجدي نفعا مع شعوب تتطلع إلى إجراءات عملية وخطوات على الأرض، فالوعود لم تعد تكفي لملء البطون الخاوية.
نذر الشتاء العربي القارص سياسيا واجتماعيا، لم تكن خافية عن عيون وعقول التحليلات الغربية المتعمقة، فقد توقع مقال مطول نُشر بمجلة فورين أفيرز الأمريكية مطلع الشهر الماضي، أن تتعرض الدول العربية لعواصف أعتى من الربيع العربي، ومن الاحتجاجات التي جرت عقب الانخفاض الكبير في أسعار النفط في 2014.
وورد في المقال أن دولا عربية كثيرة بدت كأنها نجت من العاصفتين، إلا أنه من المرجح حدوث المزيد من العواصف، لأن عاصفتي 2011 و2014 ما هما إلا مظاهر لتغيير عميق يجري بالمنطقة، وسيستمر إذا لم يتم تغيير العقد الاجتماعي الراهن الذي كان يقف وراء الاستقرار الذي تمتعت به الدول العربية قبل العواصف المذكورة، ولم يعد مجديا في الحفاظ على استقرار هذه الدول.
الدول التي تمتلك مقومات مالية كبيرة مكنتها من تأجيل ركوب شعوبها قطار التغيير في ٢٠١١، والإشارة هنا للدول الخليجية الغنية بالنفط، تبدو اليوم في موقف يختلف تماما عما كانت عليه في ذلك الوقت، فقدراتها المالية تعرضت لهزات عنيفة، ليس فقط بسبب تراجع عائدات النفط، ولكن أيضا كنتيجة للمغامرات غير المحسوبة في الإقليم.
وحتى الدول مثل الأردن والسودان والجزائر والعراق ولبنان، والتي نجت بالكاد من موجة التغيير الزلزالية قبل ثمانية أعوام، تقف اليوم على حافة الخطر، فأوضاع مواطنيها المالية والمعيشية تعاني واقعا صعبا، كما انسداد الأفق السياسي، وتقلص احتمالات التغيير إلى الأفضل، يمكن أن توفر حالة من اليأس التي تدفع نحو الانفجار.
لذلك فإن الدول المرشحة لدخول الموجة الثانية من العاصفة، أو حتى الدول التي لا تزال في طور النقاهة من تداعيات موجة “الربيع” الأولى، تحتاج إلى أن تعيد بناء وعي مواطنيها، وأن تبادر إلى تغييرات إيجابية في بنيتها السياسية والاجتماعية، كي تتفادى الموجة الجديدة من “ربيع” الاحتجاجات الشعبية، التي ربما تكون أكثر عنفا، وأكثر خطرا.