سيد العبيدى يكتب..ماذا بعد تحرير طرابلس؟
لا شك أن السعي نحو بسط سيطرة الجيش الوطنى على كامل التراب الليبى الذى يكتمل بتحرير العاصمة طرابلس من الأجسام المسلحة غير الشرعية، مع فرض إرادة الأمة على جل الأرض خطوة شجاعة تستحق الإشادة والتقدير من الجميع .. خاصة ممن أسهموا في دعم هذا التحرك سواء من داخل أو خارج ليبيا.
ونأمل أن تكون تلك العملية العسكرية التي جاءت بعد سنوات طويلة ذاق خلالها الشعب الليبى ويلات الحرب والدمار والتشتت وغياب الدولة فى ظل صعوبة التوصل الى حل سياسي يرضي جميع الأطراف، بداية النهاية للازمة ومرحلة جديدة علي طريق الإستقرار وبناء الدولة.
لكن ماذا بعد تحرير “طرابلس”؟ .. هذا هو السؤال المهم والذى لا يجب أن يغيب عن ذهن كل من يهتم باستقرار ليبيا، وحتى يتنبه المجتمع الدولى والأمم المتحدة وبخاصة دول الجوار الليبي لخطورة ما قد تؤول إليه الأوضاع بعد إعلان التحرير..
فالدولة الليبية يعاني الآن فراغ دستوري وتشابك سياسي كالذي عاصرته قبل العام 2014 ودفع بالبلاد نحو الهاوية بعد أن سيطرة الإرهاب الدولى على أجزاء من الأرض ،سيما “داعش وأنصار الشريعة” الذين توسعوا مستغلين الفراغ السياسى الحاصل آنذاك، حتى أطلاق عملية الكرامة بقيادة المشير خليفة حفتر والذى جرى بموجبها تحرير كافة مدن الشرق الليبي وعلى رأسها مدينة بنغازي.
ومن هنا وجب التنوية عن عدة محاور رئيسية لتصبح تتويجاً للعملية العسكرية الحالية ويسهل معها بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة تتسع لجميع الليبيين وغلق الباب أمام مزيد من التدخلات الخارجية.
تتلخص هذه المحاور بالبدأ فوراً فى تنفيذ فكرة المؤتمر الوطني الجامع الذي دعت له بعثة الدعم فى ليبيا التابعة للأمم المتحدة برئاسة المبعوث الدولى غسان سلامة،ثم إعلان خارطة طريق واضحة تلتزم بها كافة التيارات والقوى السياسية والقبلية ، تشمل إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بحلول نهاية العام الجارى، ثم البدء فى تشكيل لجنة لصياغة دستور دائم للبلاد قبل نهاية 2021 بحد أقصى.
ومع تنفيذ الخطوة السابقة ينبغي سد الثغرات التي أدت إلى الفرقة والانقسام بين صفوف الشعب الليبي، لذا يجب الأنتهاء من قانون الانتخابات ثم حل جميع الحكومات الحالية حكومة “الوفاق الوطنى” وحكومة الشرق الليبي التي يرأسها عبدالله الثني .
حل مجلس النواب الحالي، وتشكيل مجلس مصغر او حكومة تكنوقراط لإدارة شئون الدولة والإشراف على الاستحقاقات الدستورية حتى انتخاب مجلس نواب ورئيس جديد يكون قادر على تولى السلطة وتوحيد وبناء مؤسسات الدولة وفق صلاحيات دستورية ،شرط أن يوفر هذا الجسم السياسي كافة المقومات اللوجستية والفنية والأمنية لنجاح العملية الانتخابية وضمان نزاهتها تحت أشراف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية بالمراقبة والإشراف على كافة الاستحقاقات الدستورية بجميع أنواعها فى كافة دول العالم.
السماح بمشاركة كافة القوى السياسية فى العملية الانتخابية وعدم حرمان أو إقصاء لأي طرف من مباشرة حقوقة السياسية طالما أنه يتمتع بعفو عام بموجب القانون الصادر فى العام 2016 من قبل مجلس النواب الشرعى ما لم يكن مطلوباً في أي قضايا.
معاونة القوات المسلحة والشرطة المدنية فى تنفيذ مهام عملها في حفظ أمن الوطن وسلامة الحدود من تسلل الإرهاب والحفاظ على مقدرات الشعب وثرواته.
مخاطبة المجتمع الدولي ضرورة رفع الحظر المفروض على تسليح الجيش الوطني الليبي حتى يتمكن من مواجهة المخاطر الخارجية بما فى ذلك تنظيم داعش الإرهابى.
ومع ذلك أري أن الدولة الليبية قد تواجه تحديات كبيرة مثل التشكيك بقدرات الجيش الوطنى فى حماية الدولة والحفاظ على النصر الذى تحقق فى معركة العاصمة “طرابلس” بعد انتهائها، كما أتوقع تدخل من قبل قوى إقليمية ودولية لتقويض جهود إحلال السلام في ليبيا و عرقلة أي جهود لبناء الدولة.
وأخشى قيام بعض الدول المتورطة في دعم المليشيات المسلحة من الخارج لمحاولة تغيير الخريطة السياسية لصالح طرف على حساب الأخر كما حدث بعد رحيل نظام العقيد معمر القذافى وساهم في إفشال جميع المفاوضات السياسية.
وأخيرًا اتخوف من محاولات إظهار ليبيا دولة ضعيفة وغير أمنة ومن ثم فرض وصاية دولية عليها،أو تحويل الأراضى الليبية إلى ساحة صراع دولى واقليمى كالذى يحدث فى سوريا الأن، ناهيك عن التكهن بما يسمى عسكرة الدولة، في ظل وجود فساد ينهش جسد الدولة الليبية ويستولي علي مقدرات الشعب.
كل هذه الأسباب وغيرها تدعو القيادة العسكرية في ليبيا والمجتمع الدولي الي التفكير فيما بعد تحرير العاصمة لتفادي تكرار ماحدث السنوات الماضية التي اعقبت رحيل النظام الجماهيري الحاكم في ليبيا.