صالح القلاب يكتب : لن يخضع الفلسطينيون لمزايدات المزايدين
أخطر ما يمكن أن يواجهه عرب المواقف الجدية والعقلانية أن يتم إنعاش تنظيم داعش الإرهابي أو «القاعدة» أو غيرهما للقيام بعملية إرهابية ضد هدف أميركي قد يكون مواطناً عادياً أو مدرسة أطفال أو سفارة مفتوحة أو مغلقة الأبواب، وهنا في هذه المنطقة الشرق أوسطية التي تحولت إلى ساحة صراع دموي، يبدو أنه غدا بلا نهاية قريبة، أو في الولايات المتحدة نفسها أو في إحدى الدول التي تختبئ في مكان قصي من الكرة الأرضية.
إنها أمنية إسرائيلية وأيضاً أميركية، والمقصود هنا هو هذه الإدارة البائسة وليس الشعب الأميركي الذي يعتبر بغالبيته البريئة صديقاً للعرب وأيضاً للمسلمين، أن تعترض طريق كل هذه المواجهة الكونية – الدولية مع ما أقدم عليه الرئيس الأميركي عملية إرهابية يجري تنفيذها باسم «داعش» أو «القاعدة» أو غيرهما ضد أهداف مدنية أميركية أو إسرائيلية ليتم حَرْفُ الاتجاهات وليحصل ما حصل في سوريا عندما رفع الروس والإيرانيون و«من لف لفهم»، كما يقال، شعار أنَّ الأولوية هي لمواجهة هذا التنظيم الإرهابي وليس لإسقاط بشار الأسد وهذا النظام السوري الذي ارتكب جرائم ضد شعب من المفترض أنه شعبه لم يرتكبها الإرهاب وتنظيماته منذ أن كان هناك إرهابيون في هذه المنطقة وفي الكرة الأرضية.
وحقيقة أنه غير مستبعد أن نستيقظ ذات صباح على معلومات تتناقلها وسائل الإعلام عن قيام مجموعة إرهابية تطلق على نفسها «القدس الشريف» باستهداف مدرسة أطفال أميركية أو اختطاف مواطن أميركي أو وضع متفجرة في أحد المطاعم في الولايات المتحدة، فإسرائيل من مصلحتها اعتراض أي إرهابيين لهذه الحملة الدولية، الرسمية والشعبية، ضدها، وكذلك فإن من مصلحة الرئيس دونالد ترمب وغالبية من حوله أن تُختطف وسائل الإعلام العالمية، عن الانشغال بقراره، من قِبل عمل «إرهابيٍّ» دامٍ تقوم به جهة تطلق على نفسها اسماً أو وصفاً فلسطينياً… فهذا وارد وفي أي لحظة والمفترض أن يأخذه العرب والفلسطينيون، ومعهم كل الداعمين والمتعاطفين مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، بعين الاعتبار.
إنَّ المفترض أن هناك من لا يزال يذكر، رغم كل الأحداث الصاخبة التي استجدت خلال أكثر من ثلاثة عقود ماضية، أنه كانت هناك محاولة مفتعلة لاغتيال السفير الإسرائيلي في لندن شلومو آرغوف عشية غزو إسرائيل للبنان في عام 1982 وحيث تم، كما هو معروف، إخراج المقاومة الفلسطينية من بيروت ومن معظم الأراضي اللبنانية وتم انتقال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إلى تونس التي بقي فيها مع معظم القادة الفلسطينيين وإلى أنْ عاد إلى غزة ولاحقاً إلى أريحا والضفة الغربية بعد توقيع اتفاقيات أوسلو التي لا تزال نافذة وسارية المفعول.
إن كل شيء وارد ومتوقع وبخاصة أن وسائل الإعلام المرئية قد أظهرت حسن نصر الله «المقاتل في فيلق الولي الفقيه»، فاغرا فاه ويطالب من أحد مخابئه في ضاحية بيروت الجنوبية بفتح الحدود لزحفٍ لجبٍ بمئات الألوف من حراس الثورة وفيلق القدس والحشد الشعبي في اتجاه فلسطين والمدينة المقدسة الجريحة، وبالطبع فإن المقصود هو ليس فتح الحدود السورية ولا اللبنانية وإنما الحدود الأردنية والمصرية والهدف هنا واضح ومعروف وهو التحريض ضد مصر والأردن واعتبارهما المسؤولين عن كل السلبيات التي تتعلق بمسار القضية الفلسطينية.
ولعل الأسوأ، على هذا الصعيد، أن بعض قادة حركة «حماس» الإخوانية – الفلسطينية إن المقيمين في إحدى العواصم الخليجية وإنِ الذين تم «فرزهم» كممثلين لهذه الحركة إلى ما يسمى «تحالف الممانعة والمقاومة» قد وجدوها فرصة للتلاعب بعواطف بعض الفلسطينيين والعرب أيضاً بمطالبة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) بحل السلطة الوطنية الفلسطينية والتخلي عن اتفاقيات أوسلو وعن عملية السلام كلها ودفع الشعب الفلسطيني للقيام بـ«انتفاضة» جديدة تكون هي القيادة الفعلية له إن على الصعيد السياسي وإن على الصعيد العسكري – الميداني، وبالطبع فإن هذا إن هو حصل، وهو لن يحصل، سيشكل انتحاراً مجانياً يريده الإسرائيليون ويسعون إليه.
كان العرب قد أُقحموا إقحاماً في حرب يونيو (حزيران) عام 1967 تحت وطأة «المزايدات» وصخب الشعارات: «ميراج طيارك هرب مهزوم من نسر العرب.. والميغ علّت واعتلت بالجو تتْحدَّى القدر» وكانت النتيجة احتلالاً موجعاً لـ«سيناء» حتى قناة السويس وللضفة الغربية ومن ضمنها القدس الشريف حتى نهر الأردن ولهضبة الجولان السورية حتى مشارف دمشق، والمعروف أيضاً كيف كانت الأوضاع عندما اضطرت الدول العربية إلى حرب عام 1948 التي احتل الإسرائيليون خلالها غالبية المدن والأراضي الفلسطينية ومن ضمنها جزء من المدينة المقدسة وهو الجزء الذي يسمى «القدس الغربية».
إن الوضع العربي بصورة عامة أسوأ كثيراً من وضع ما قبل حرب عام 1948 وما قبل حرب عام 1967، فهناك الظاهرة الإرهابية المفتعلة التي لم يتم القضاء عليها بصورة نهائية حتى الآن وهناك كل هذا الانهيار الذي تعاني منه الكثير من الدول العربية وهناك كل هذا التدخل الإيراني في شؤون العرب الداخلية… وهكذا فإن واقعاً كهذا الواقع لا يمكن أن يسمح بأي حربٍ مضمونة العواقب وبخاصة أننا كنا قد جربنا الحروب الارتجالية وكانت النتائج أن سيناء وحدها استعيدت بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 بينما هضبة الجولان لا تزال محتلة وكذلك الضفة الغربية.
ثم وإن المؤكد أن جحافل «الألوف المؤلفة» التي تحدث عنها حسن نصر الله لا هدف لها إلا «فَرْط» ما تبقى متماسكاً من الأوضاع العربية وأن الإيرانيين الذين تحدث ويتحدث «المقاتل في فيلق الولي الفقيه» باسمهم «أصحاب تقية» وأنهم أصحاب فكرة «الفوضى الخلاقة»، وأنَّ الحرب التي روّج ويروج لها زعيم «حزب الله» اللبناني هي الفوضى التي تريدها وتسعى إليها طهران لاستكمال ما لم تسيطر عليه حتى الآن من هذه المنطقة التي تعتبرها إيران مجالاً حيوياً لها على غرار ما أصبحت عليه الأوضاع في العراق وفي سوريا وفي لبنان!!
وهكذا إنه جنون ما بعده جنون أن يتخلى العرب عن كل هذا الالتفاف الدولي حولهم، وضد نتنياهو ومع الحقوق الفلسطينية المشروعة وبخاصة حق قيام الدولة المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وأن يراهنوا على «صراخ» حسن نصر الله وسادته الإيرانيين… وهنا فإن الأسوأ هو أن يفكر الرئيس (أبو مازن) حتى ولو مجرد تفكير في ما تطالب به «حماس» من خلال بعض قادتها ويتخلى عن أوسلو وعن السلطة الوطنية وعن العضوية في الأمم المتحدة والكثير من الهيئات الدولية الأخرى ولحساب المراهنة على خطوة انتحارية من المؤكد أن الرئيس الفلسطيني المعروف بسعة أفقه وبعقلانيته وبتجربته الطويلة لن يقدم عليها ما دام أن العالم بأسره باستثناء الولايات المتحدة يعترف بدولة فلسطينية تحت الاحتلال.
وهكذا وفي النهاية فإنه يجب إدراك دوافع ظهور قيس الخزعلي «وكيل» عصائب أهل الحق وظهور عناصر من الميليشيات المذهبية العراقية في الجنوب اللبناني في هذه الفترة، ثم ويجب إدراك سبب تحفظ وزير الخارجية العراقي ووزير الخارجية اللبناني على بيان الجامعة العربية في اجتماعها الأخير… بعد خطبتين ناريتين… إن المقصود هو اختطاف القرار العربي لمصلحة إيران بحجة أن دولة الولي الفقيه هي وحدها المؤهلة لتمثيل العرب والمسلمين في هذه المنطقة الشرق أوسطية وفي كل مكان!!
نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط