fbpx
الرأي

صديقي البطل

بقلم الكاتب الصحفي
    صبري الديب

لا أستطيع أن أصف مدى سعادتي بلقاء صديقي البطل المصري العميد “يسري عمارة” الذي قام بأسر “عساف ياجورى” قائد اللواء 190 مدرع الإسرائيلي خلال حرب أكتوبر 1973، وذلك بعد أن باعدت بيننا مشقة الحياة لأكثر من 20 عامًا.

و”يسري عمارة” لمن لا يعرفة، هو أحد أسود مصر خلال ملحمة أكتوبر، الذين يستحق كل منهم أن نخلد بطولاته بتمثال ضخم يوضع في أكبر ميادين مصر، لنصدر للأجيال الجديدة نماذج محترمة وحقيقية لمن يجب أن يقتادوا بهم، عوضا عن نماذج المسخ التي يرونها في هذا الزمان.

ففي مساء يوم 8 أكتوبر عام 1973، كانت المعارك على أشدها، وكانت القوات المصرية قد حققت في ذلك اليوم بطولات وانتصارات أذهلت العالم، وانطلق النقيب “يسري عمارة” مع 10 جنود وهو يجلس فوق شبكة مدرعة مصرية، وهو يعد في فرح كم المدرعات والمجنزرات الإسرائيلية التي تم دمرتها القوات المصرية في ذلك اليوم.

إلا أنه في لحظة وجد “عمارة” دماء تنهمر من يده دون أن يشعر بإصابة، حيث كان قد أصيب في تلك اللحظات بدفعة رشاش كاملة في يده، فأوقف المركبة ونظر للخلف تجاه شرق “الفردان”، فوجد جنديا إسرائيليا مختبئا وراء ساتر من الأسفلت من بقايا طريق قديم، فندفع وهو “اعزل جريح” نحو الجندى الإسرائيلي، الذي وقف ممسكا سلاحة في زهول من شجاعة الضابط المصري، ورفع يده مستسلما بكل سهولة، في الوقت الذي وقف فيه كل من مع “عمارة” في ذهول لما يحدث، فهم لا يستطيعون إطلاق النار خوفا من إصابته، ولا يدرون ماذا يفعل؟.

وفي لحظات، دخل “عمارة” على الجندي الإسرائيلي “المسلح” وأخرج خزينة الطلقات كانت في سترته، وضربه بها على رأسه فسقط قتيلا، وفي تلك اللحظات صرخ جندي بطل كان بداخل المركبة يدعي “محمد حسان”: “حاسب يافندم في 2 إسرائيليين كمان وراك” وأطلق عليهم النيران وقتلهم.

ومن هول شجاعة موقف “يسري عمارة” كان هناك 4 جنود إسرائيليين يتابعون الموقف بداخل حفرة، فخرجوا رافعين ايديهم أمام “عمارة” وهم يصرخون: “لا تقتلونا، نحن أسرى” فانطلق نحوهم بذات الشجاعة، وأخرجهم من الحفرة، ونزع أسلحتهم، وجرد ضابط كان معهم من مسدسة، وهو لا يدري أنه “عساف ياجورى” قائد اللواء 190 مدرع الإسرائيلي.

وأشار “عمارة” إلى النقيب “فاروق سليم” الذي كان معه بالمدرعة بالتحرك نحوه، وقاموا بوضع الإسرائيليين الخمس فيها، وإبلاغ العميد “حسن أبو سعدة” قائد الفرقة الثانية مشاة بما حدث، والذي أمر على الفور بتسليم الأسرى الإسرائيليين إلى القيادة، وإخلاء “عمارة” إلى المستشفى للعلاج.

وفى اليوم الثانى عرض التليفزيون المصري لقاء مطولا مع “عساف ياجورى” قال فيه: ” أصابني الذهول من شجاعة الضابط المصري الجريح الذي قام بأسري” في الوقت الذي أصدر فيه العميد” حسن أبو سعدة” بيانا شكر فيه “عمارة” على شجاعته.

وظل “عمارة” ليومين في مستشفى المعادى العسكري، لا يعلم بأنه قام بأسر “عساف ياجوري” في الوقت الذي كانت مصر بأثرها تتحدث عن شجاعتة، إلى جاء له الأطباء بالمستشفى بيان العميد “حسن ابوسعدة” وقاموا له احتفالا ضخما، وبدأت الزيارات الرسمية وغير الرسمية تنهال عليه.

وفي مساء ذات اليوم، جاءه العقيد أركان حرب “صفى الدين أبو شناف” رئيس أركان اللواء 117 مشاة ميكانيكى، وقدم له “مسدس عساف ياجورى” كهدية من القيادة تقديرا لشجاعته، حيث ظل المسدس بحوزة البطل المصري، حتى عام 2009، إلى أن طلب منه تسليمه للمشير” محمد حسين طنطاوى” وزير الدفاع، والذي أمر بوضعه في المتحف الحربى بالقلعة.

أشرف أنني كنت أول من كشف عن القصة الحقيقية لأسر “عساف ياجورى” في بداية الثمانينات من خلال كتابي “خفايا حرب أكتوبر” وتقديم البطل المصري “يسري عمارة” للعالم، بعد أن ظلت الملحمة وبطلها سرا لا يعلمه أحد، لدرجة أن الكاتب الراحل “موسى صبري” قال صراحة في كتابه “أسرار حرب أكتوبر” : “ولا ندري حتى الآن كيف تم أسر عساف ياجورى”.

كم أسعدني لقاء البطل المصري الصديق بعد طول غياب، ومبادرته بالاتصال بي، والحرص على لقائي خلال زيارتي السريعة التي قمت بها، بصحبة عدد من الأصدقاء إلى مدينة بورسعيد.

وكل عام و”يسري عمارة” وكل أبطال ملحمة أكتوبر بألف صحة وعافية.

زر الذهاب إلى الأعلى