ظواهر تضارب المصالح والمحاباة
الدكتور عادل عامر
تنتشر ظواهر تضارب المصالح والمحاباة في جميع قطاعات المجتمع، بما في ذلك في القطاع الخاص وفي بعض مؤسسات المجتمع المدني، حيث تساهم المصالح الشخصية والمحاباة في تسيير المهمات وسرعة إنجازها وتراكم الأرباح لصالح فئات دون غيرها، أو في تحول المؤسسات الأهلية إلى مؤسسات فئوية وحزبية مغلقة على مجموعة محددة وهو ما قد يضعف مصداقيتها عند تصديها لهذه الظواهر
يتحمل الموظف في الموقع العام مسؤولية ضمان عدم وجود أي تعارض للمصالح في الأعمال التي يقوم بأدائها، ففي العديد من الحالات لا يكون تعارض المصالح ظاهرا للعيان أو معروفاً في المجتمع المحيط بالموظف، ولكن يكفي أن تكشف قضية واحده لتهز ثقة المواطنين ليس بالموظف ومؤسسته فحسب بل في الجهاز التنفيذي ككل.
من الطبيعي أن يتعرض الموظف الحكومي لمواقف تتضارب فيها مصالح العمل مع مصالح شخصيه، فالموظف يعيش في المجتمع الذي يعمل فيه والذي تتشابك فيه المصالح باستمرار، حيث أن الوازع الأخلاقي أساسي في ضمان عدم استغلال الموظف لموقعه، ولكن يجب أن تتوفر آليات محدده مثل تنبيه الموظف وتدريبه على المواقع التي قد تتعارض فيها المصالح، وتقديم حوافز ماديه ومعنوية تحمي الموظف من الإغراءات المرتبطة باستغلال الوظيفة.
الجانب القانوني: على الرغم من أن القانون وحده ليس ضمانا كافيا لتجنب تضارب المصالح، إلا أن وجود نص قانوني واضح يحمل تعريفاً لتضارب المصالح والمواقع التي يتوجب على الموظف الحكومي إشهار معلومات متعلقة بالمهمة التي يقوم بها بالإضافة لعقوبات واضحة في حاله حدوث خلل ما، يشكل خطوه مهمة على طريق تجنب تعارض المصالح، ووجود نصوص قانونيه يوفر أداه مهمة في أيدي نشطاء المجتمع المدني لإثارة الوعي حول الظاهرة وايضاً لإثارة قضايا قانونيه ومجتمعيه ضد تعارض المصالح.
سمعه الموظف: تتأثر سمعه الموظف بأي شبهه حول تعارض المصالح حتى لو كان القرار الذي اتخذ صائباً ولمصلحه العمل، ولذا فإن اتقاء مواطن الشبهات أفضل للموظف، هذا بالإضافة لاعتماد مبادئ الشفافية والوضوح في مبررات القرار الذي تم اتخاذه.
سمعه المؤسسة: تثير شبهات تعارض المصالح شكوكاً حول المؤسسة وليس حول الموظف فقط، لذا تتحمل المؤسسة مسؤوليه خاصة في رقابة الإجراءات وسلامتها، فسمعه المؤسسة تحدد مدى ثقة الجمهور بها تحديداً وبالجهاز الحكومي التنفيذي بشكل عام، حيث تتحمل المؤسسة أيضا مسؤولية تعزيز وتشجيع موظفيها الذين يحرصون على الشفافية والنزاهة في عملهم، وتتحمل أيضا مسؤولية تطوير وتطبيق ميثاق أخلاقي للإجراءات الإدارية التي تقع تحت مسؤوليتها. وعلى الرغم من انتشار مظاهر تعارض المصالح والواسطة والمحسوبية في الدولة الا انه لا يتم حتى الان التعامل معها قانونيا واداريا على انها من مؤشرات الفساد وانها تتعارض مع المساواة في تحقيق المواطنة، مثل المساواة في الحصول على خدمات والحق في التنافس الحر على الوظائف العامة، كما لا تتوافر الدراسات المعمقة حول مدى انتشار الظاهرة وخطورتها وتحديد تأثيرها على ثقة الناس في نزاهة الجهاز الحكومي وفي مدى تمثيله لمصالح المجتمع من دون تمييز، والتركيز هنا على تعارض المصالح والمحاباة والمحاصصة في الجهاز التنفيذي الرسمي الحكومي على اعتبار انه المشغل الاكبر في الكثير من مفاصل الدولة، ولان بناء الثقة بين المواطنين وهذا الجهاز امر اساسي لممارسة المواطنة الحقة واهمية ذلك في التنمية ومحاربة الفساد.
كما ان العمل في الجهاز الحكومي يفترض بالضرورة البحث عن الصالح العام واقرار قيم العدالة والمساواة بين جميع المواطنين، ويمكن تعريف تعارض المصالح بالوضع او الموقف الذي تتأثر فيه موضوعية واستقلالية القرار للوظيفة العامة بمصالح شخصية مادية او معنوية تخدم مصالح قبلية او عائلية او طائفية او تنظيمات سياسية او مصالح المقربين من الاصدقاء او تأثر الوظيفة العامة باعتبارات شخصية مباشرة او غير مباشرة بمعرفته بمعلومات تتعلق بالقرار قبل ان يخرج للعلن عن المناقصات او مشاريع الدولة، او تتعلق بتغيير بعض القوانين المؤثرة على مصالح البعض وتعارض مصالحهم مع هذه القوانين واستعدادهم لتعديل اوضاعهم قبل غيرهم من المواطنين وذلك لعدم وجود الشفافية والمساواة والعدالة والمصلحة العامة التي هي فوق المصالح الشخصية الضيقة.
هذه مقدمة ضرورية لمعرفة تضارب المصالح والمحاباة والمحاصصات على مستقبل الدولة المدنية الحديثة التي يتطلع لها كل مواطن لمستقبل اولاده في تحقيق الاسس العلمية المعروفة والتي هي في النهاية مستقبل واستمرار الدولة في الطريق الصحيح وتحقيق مصالح البلد العليا، فما الحل؟
إن الحل يتطلب القرارات الصعبة التي تعيد البلد الى الطريق الصحيح من الحكومة ومجلس الامة في الاتفاق على مبادئ للعودة الى تحقيق الدولة المدنية الحديثة وخصوصا ان الكويت عندها كل الامكانيات المادية والمعنوية لتحقيق ذلك.
تعتبر ظاهرة الفساد من أعتى الظواهر التي رافقت الحياة البشرية منذ ظهرت على الأرض، كما تعتبر في نفس الوقت أهم الاسباب التي قد تساهم في القضاء على الحياة على وجه هذا الكوكب، حيث تعدد تسمياته وتقسيماته وفقا لنوعه والبيئة التي يظهر فيها بالإضافة إلى عواقبه الوخيمة الناتجة عنه.
إن لتطور أي بلد نصيبا هاما من مكافحة هذا الطاعون الذي يضرب الاقتصاد في مقتل، حيث أنشأ الانسان لهذا الصدد هيئات ومنظمات منها المحلي ومنها العالمي للحد من خطورة الفساد وحصر آثاره ورص الصفوف للوقوف أمام تمدده والقضاء على آثاره المدمرة.
يعتبر الانجاز الأهم لدى الدول المتطورة تكوين المواطن الصالح الذي يفي بواجبه اتجاه وطنه على أكمل وجه وذلك بتفننه في عمله والقيام به على أكمل وجه من جهة، ومن جهة أخرى اعتباره بوابة الدفاع الاولى عن الوطن بمكافحة كل أنواع الفساد (البيئية، الاسرية، الاقتصادية، السياسية) وذلك بتوعيته وتكوينه في مجال مكافحة الفساد، بالإضافة إلى الترسانة القانونية التي أصدرتها وفقا لتشعب الفساد وتغلغله في كل مناحي الحياة.
تكوين المواطن في مجال مكافحة الفساد يعتبر أول خطوة وأفواها لأن الفساد يبدأ بالمواطن وبسلوكياته وأفعاله ثم ينتقل إلى الوظيفة ثم المهنة ثم التجارة والسياسة والصحة ليكمل الدورة الكبيرة ويعود في الأخير إلى نقطة الانطلاق وبالضبط إلى المواطن فيفتك بكل مقومات الحياة لديه. يمكن اعتبار أخلاقيات المهنة أنها المبادئ والمعايير التي تعتبر أساساً لسلوك أفراد المهنة المستحب، والتي يتعهد أفراد المهنة بالتزامها.
كما يراها البعض مجموعة القيم والأعراف والتقاليد التي يتفق ويتعارف عليها أفراد مهنة ما حول ما هو خير وحق وعدل في نظرهم، وما يعتبرونه أساسا لتعاملهم وتنظيم أمورهم وسلوكهم في إطار المهنة. ويعبر المجتمع عن استيائه واستنكاره لأي خروج عن هذه الأخلاق بأشكال مختلفة تتراوح بين عدم الرضا والانتقاد، والتعبير عليها لفظا أو كتابة أو إيماءً، وبين المقاطعة والعقوبة المادية.
وترتكز أهداف أخلاقيات المهنة على تحديد السلوكيات وضبط التعاملات الي من شأنها جعل المهنة تحقق الغاية الموجودة من أجلها والذهاب بعيدا في تحقيق أهدافها، وتختلف هاته الاخلاقيات من مهنة لأخرى، فأخلاقيات مهنة الطب تختلف عن أخلاقيات القاضي وتختلف كذلك عن أخلاقيات المعلم،
كما أننا نلاحظ أنه في الفترة القليلة الماضية تم ترسيم أخلاقيات المهنة في أغلب القطاعات في وثيقة رسمية توزع لدى الموظفين وتشرح أهم الاخلاقيات التي يجب على الموظف التحلي بها أثناء تأدية مهامه، بل وهناك قطاعات استحدثت مجلسا لأخلاقيات المهنة والذي من صلاحياته النظر في تجاوز الموظفين للأخلاق المنصوص عليها أثناء تأدية الوظيفة أو المهنة.