علي القاسمي يكتب : تقاسيم – حتمية التغيير… وحساب المواطن
تصدر حساب المواطن منصة الاهتمام والمتابعة ومن قبلهما الانتظار حين سهر السعوديون قبل ليلتين على وقع ما يهطل من أرقام في حساباتهم البنكية، لتبدأ من بعد ذلك حمى التحليل والتفسير والمقارنة بين مستفيد ومستفيد، والتفاوت الرقمي حينها مهد لتوقع ان ثمة أذكياء تحايلوا بطريقة ما حتى يحوزوا رقماً لم يحزه من هو أقل منهم عدداً وحاجة ووجعاً. من المهم جداً ومع الانطلاقة الفعلية الرقمية لهذا الحساب أن يكون الصوت الرسمي له متأهباً للإجابة عن أي سؤال، وقطع الخط المحمل بالشكوك والمقارنات وأنه حساب جاء بما لم يقله ويعد به عند بداية الفكرة وتأسيسها، فهناك من ينتظر ليستثمر أي فراغ ناشئ ليرمي فيه بعدد من كرات الإثارة والتأجيج والتأليب وكأن الحساب وحده يمثل الحل النموذجي لحتمية التغيير ومؤشر الاستهلاك. من المتوقع والطبيعي جداً وجود فروق وتباين في الدخل ما بين فرد وفرد، ولا يمكن ان نتخيل وجود الأفراد على خط واحد من المستوى المعيشي، لكن المنهك ان نتوقع مستوى معيشياً رفيعاً ونحن مشبعون بثقافة استهلاكية لا نريد ان ندقق فيها ولا نحسبها في شكل دقيق ومتزن، وهي ثقافة تعتمد على النظر دوماً للآخرين والتطلع للعيش بموازاة تامة معهم على رغم ان الفوارق صريحة ومحاولات الموازاة محاولات تفتقر إلى المنطق والواقعية العقلانية، لذا ينفق كثير منا لا ليعيش بل ليعجب الآخر وتحت عقدة ان لا يكون أقل منه في أشياء ليست مجالاً للمقارنة ولا وضع الرأس بالرأس.
القناعة لدينا قناعة عرجاء وأن نظن أن الحياة يجب ان تتوقف قليلاً للوقوف عند كل معاناة هو ظن في غير مكانه، سنستمر في ضرورة التفاعل مع حالات متنوعة ومتوزعة على الخريطة سيوجعها التغيير والتحول والمضي نحو الضريبة وملامسة الدخل الضئيل، هذه الحالات تحتاج تدخلاً وطنياً من دون شك وبقراءة متواصلة مستمرة لهذه الحالات واستخدام آليات علاج متوائمة ومتلائمة لكن التغيير الضروري واللازم يتعلق بالمواطن الذي يمثل الشريحة المتوسطة والمؤهلة للعودة الى الخلف إن لم يعد حساباته وآلية إنفاقه ويراجع مفاهيم الحاجة والزائد عن الحاجة. منسوبو الشريحة المتوسطة أفراداً وجماعات عليهم إعادة التعاطي مع سلوكات لم نعرضها على مشرحة النقد والتغيير، تذكروا فقط أفراحنا، ولائمنا، هدرنا المائي، استهلاكنا الكهربائي، وتذكروا مواسم استقبال أعيادنا الدينية بالموائد والمشتريات، استرجعوا ما نتباهى به ولماذا؟
الفوضى في العادات وممرات الإنفاق والاستهلاك صريحة ولا جدال فيها، ولم نحاول ولو مرة واحدة إعادة ترتيب هذه المساحة الفوضوية، ربما جاء الوقت، لن يتغير ما حولنا كثيراً، التغيير الجذري يبدأ منا، الغني سيظل غنياً ولن يشعر بهذا التحول أو التغيير إلا مع مرور الوقت، لكن متوسط الحال- ولن أقول الفقير- سيشعر كثيراً لكونه يريد أن يعيش من دون أن يرمم نثره المالي من جديد ويحرّك الجامد من قناعاته ومفاهيمه. التغيير أصبح حتمياً وجزءاً من التحوّل الذي فرضته معطيات وتشي به أرقام ومؤشرات.
نقلا عن صحيفة الحياة