fbpx
الرأي

فهد الدغيثر يكتب : المشهد العرب في أسوأ حال وكم التناحر الداخلي بين الشعوب

المشهد العربي في هذه السنوات يعكس حالة متدنية جداً من الإحباط، يعكسها لأي متابع كم التناحر الداخلي بين الشعوب، والذي لم يسبق له مثيل في الماضي. ربما أن توافر «المنبر» وأقصد هذا الجهاز الذي بين أيدينا، في متناول كل مواطن، ولا أعمم، ساعد في إبراز وتغذية هذا المشهد الغارق في التخوين والتآمر والبذاءة وقلة الأدب.

لا غرابة في ذلك، فالعالم العربي وفي غالبه الأعم يعاني اليوم من وجود فجوات كبيرة بين الغنى والفقر، بين التطور والتخلف، وبين الإبداع والجهل والخرافات، والغلبة للأكثر. تاريخياً لا جديد في ذلك، وإن أصبح معلناً للعالم بأسره عبر أدوات التواصل الحديثة. ذلك أن العالم العربي يسير على نمط روتيني بائس منذ الخمسينات وحتى اليوم، بما في ذلك فترة ما يسمى بالربيع العربي وضجيجه وفرقعاته، التي لم تخالف ذلك الروتين المقدس من حيث المآلات. في المقابل وفي عدد محدود من الدول العربية وفي العالم الخارجي، تحدث التبدلات، وتنشأ التحالفات الجديدة، ويقفز التطور العلمي في الغرب والشرق بشكل يسلب العقول والمدخرات، حتى تحول قطاع التكنولوجيا في بورصات العالم إلى القطاع الأضخم في القيمة السوقية. من كان بمقدوره الاقتراب قبل أقل من عقدين فقط من القيمة السوقية لشركة «إكسون» أو «جنرال إليكتريك»؟ اليوم لا تكاد ترى هاتين الشركتين في قائمة المراكز الأولى، وحلّت مكانهما «غوغل» و «أمازون» و «فايسبوك» و «مايكروسوفت» و «علي بابا». للعلم فقط، اليوم «إكسون موبايل» أتت العاشرة و «جنرال إليكتريك» في المركز الثالث والثلاثين.

على رغم أن التحرر من الاستعمار كان شعار المرحلة الأولى، وتحقق ذلك في جميع الدول العربية المستعمرة، إلا أن الحكومات الجديدة البديلة كانت أسوأ. وبسبب وجود إسرائيل، تحوّلت الشعارات من طرد المستعمر إلى تحرير فلسطين، لكننا وقبل تحقيق هذا الهدف لم نتقدم خطوة واحدة نحو الاعتماد على النفس أولاً. معظم الأنظمة المتحررة تحولت إلى جمهوريات تقودها ثكنات عسكرية، أو حكومات مستبدة وضعت معاداة الغرب الداعم لإسرائيل الشعار «المعلن» لشرعيتها، مدركة بذلك كسب الشارع وعلو صوت التصفيق. لم يفكر أحد منهم ببناء الأوطان، ورفع مستويات التعليم، الذي هو في الأصل منهج متقدم تقوده أوروبا والولايات المتحدة. يُستثنى من ذلك عدد محدود من الجامعات في لبنان ومصر والعراق والأردن. في النهاية ومع الانشغال بشعارات الوحدة العربية وقعت الواقعة، وتحطمت الأمنيات في حرب 1967، وتقوقعت دول المواجهة، بل وعادت إلى ما هو أسوأ من زمن الاستعمار. وفي غياب تام لأي استراتيجية مستقبلية، انفجر النمو السكاني، وأصبح اليوم يشكل العبء الاقتصادي المرعب، خصوصاً في دول مثل مصر والمغرب واليمن.

في دول الخليج العربي ومنذ اكتشاف النفط والغاز في ما بعد، وهي المستثناة من حديثنا عن مصائب العالم العربي، كان الهاجس الوحيد هو الانتقال من البداوة وحياة الصحراء الشاقة إلى التمدن. لم يُعانِ أحد من منطقة الخليج ما عانت منه الدول الخاضعة للاستعمار أو دول المواجهة مع إسرائيل من تقلبات سياسية وشعارات فارغة. هنا، وأقصد زمن بداية الثروة النفطية، بدأ التمازج بين الشعوب العربية المتقدمة نوعاً ما في التعليم، مثل سورية والعراق ومصر وفلسطين مع دول الخليج، عبر الحاجة إلى المعلمين والمهندسين. غير أن الانطباع العام لدى الزوار الأشقاء عن شعوب الصحراء كان سلبياً في الغالب. كيف لقبائل بدوية متخلفة أن تنتقل إلى المدن وتسكن في البيوت الفاخرة بهذه السرعة وتمتلك العربات الغربية الجديدة؟ استمرت النظرة الدونية مع الأسف وبلا تعميم، إلى يومنا هذا كما نشاهد عبر المنصات الإعلامية.

على أن النتوء الوحيد الذي حدث في مسيرة دول منطقة الخليج العربي نحو التنمية المستدامة وأعاقها قليلاً (أربعة عقود) هو وجود جماعة «الإخوان المسلمين» فيها، وعمل هذه الجماعة على تسييس الدين، وعسكرة المجتمعات، ثم ما تلا ذلك من قرارات حاسمة وجريئة لتجريم الجماعة وطرد المنتسبين إليها، باستثناء دولة قطر وتردد الكويت، وذلك بعد ثورة ٣٠ يونيو في مصر التي أطاحت حكومة مرسي.

هذا الحدث كان وحده كفيلاً بفتح المعركة الإعلامية بين كل التجمعات والأحزاب المفلسة بقيادة «الإخوان» وبين السعودية والإمارات والبحرين ومصر. وبينما نشاهد التقدم المذهل في التنمية وبناء الإنسان في الإمارات والسعودية تحديداً، نجد أن التيارات المضادة اضطرت للجوء إلى العنف، بل والتحالف أخيراً حتى مع الشيطان كإيران وتركيا. في كل الأحوال لا توجد قيمة حقيقية لهذه التحالفات على الأرض، كون منطقة الخليج تعتبر منطقة ثروات للعالم أجمع، وتوجد فيها مصالح غربية كبرى، وقواعد عسكرية للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، إضافة بالطبع إلى قوتها الذاتية التي تنمو وتتطور في شكل متسارع.

ستستمر الاتهامات تنهال على الخليج وأهله طالما أن الجهات التي تعمل على ذلك باقية في حالها المتهالك ومُطاردة حول العالم بتهم خطيرة، إيران و «حزب الله» و «الإخوان» مثالاً وليس حصراً. تركيا تلاحقها الاتهامات بدعم الجماعات إياها، وتتطور هذه التهم يوماً بعد يوم. وحتى تضع دول الخليج حداً لضرر هذه المهاترات والمتاجرة بالقضايا والمواقف ينهي الجدل القائم ولو من طرف واحد، أن تعلن أولوياتها على الملأ، كما أوضح ذلك ولي العهد السعودي في أكثر من مناسبة عندما وصف بلاده بأنها عضو في منظومة دول العشرين الأضخم اقتصاداً، وهمها الكبير هو تأسيس دولة الغد المواكبة للعصر.

من هنا ومع الانتباه والتصدي للأخطار ومعاقبة المتآمرين كما نفعله اليوم مع «الأشقاء» في قطر، أو في مواجهة المد الفارسي في اليمن، ولم تتضح الصورة بعد بين التحالف الذي عاد من جديد بين تركيا والسودان، لا بد من تجاهل ما يقال في وسائل إعلام المعارضين لنهضة دول الخليج، وترك الأفعال وحدها تتكلم. أنا على يقين تام بأن أكثر ما يزعج البعض هو خوفهم من نجاح هذه الدول الفتية في النهضة الاقتصادية والاجتماعية، والتمكن من القوة العسكرية الضاربة، وليس بالضرورة بعض المواقف التي يتحدثون عنها أو يتاجرون بها. استمرار قصف ميليشيات إيران في اليمن، وهدير الطائرات فوق الرؤوس، ومطاردة قادتها خير منبر للرد على كل صوت مأجور.

إعلام دول الخليج يجب أن يتوجه للبناء، وزرع روح التنافس، وغرس القيم الكبيرة، والمساعدة في رفع الوعي العام، وتأسيس دول القوانين والحقوق والمؤسسات. أقول ذلك لأننا إن لم نفعل فإن الخصم هو الذي سيصبح المتحكم في تحركاتنا وأولياتنا، وسيسعى بكل قوة لفعل أي شيء ولو بتهور واضح ليعطل هذا الطموح الواعد. لنعلم أننا مسؤولون ومؤتمنون أمام شعوبنا الشابة على بناء كيانات قوية راسخة قادرة على الصمود أمام العواصف والأعاصير. رفع الشعارات وارتفاع الأصوات والتلاعب بعواطف الناس الدينية والقومية، كما جاء في مقدمة هذه المقالة، لا تبني وطناً، ولا تؤسس لمجتمع منتج ومبدع. لقد جربناها في الخليج كما ذكرت، ولا يجهل نتائجها عاقل. والمؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين.

نقلا عن صحيفة الحياة

زر الذهاب إلى الأعلى