قرار تدوين الأسعار على السلع لـ«الخلف در»
بلهجة حازمة، أعلن علي المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية، الأسبوع الماضي، أن تدوين السعر على المنتجات والسلع أمر منته لا جدال فيه، بحيث تكون ظاهرة للمستهلك، وأنه ستتم مصادرة السلع المخالفة التي لا تتضمن السعر عليها، بداية من أول يناير المقبل.
وبعد أيام معدودة، وتحديداً في مطلع الأسبوع الجاري أعلن ممدوح رمضان، المتحدث الرسمي لوزارة التموين، أن الوزارة تفهمت صعوبة الطباعة على كل عبوة للشركات الصغيرة، واستجابت لمطالب الغرف التجارية والصناعية، وخففت من إجراءات إعلان الأسعار لتصبح بأكثر من صورة بدلاً من إلزام المصانع بطباعة السعر على العبوة.
وأضافت الوزارة عدة تعديلات على القرار السابق تضمنت اﻹعلان عن السعر بأكثر من وسيلة من بينها كتابة السعر على المنتج نفسه أو بلصق «استيكر» أو كتابته على الأرفف، وهو المتبع في المحلات الكبرى وحتى على عربات الباعة الجائلين.
فلماذا التراجع؟ وهل هو خاص بالأضرار التي ستلحق بالشركات الصغيرة فقط؟
إن منطلق القرار الأول لوزارة التموين كان ارتباط عملية تسعير السلع الغذائية بتكاليف الإنتاج، فما دامت التكاليف معروفة وقت الإنتاج، فلماذا لا يتم التسعير بعد الإنتاج مباشرة؟
وهذا أمر خاطئ، فجزء كبير من السلع الغذائية وغيرها من السلع متقلب الأسعار نتيجة التلف السريع وصعوبة التخزين واضطراب مواسم الإنتاج بل وظهور منتجات أفضل، وبالتالي فإن البائع مضطر لإحداث تغييرات يومية في الأسعار حتى ينجح في تسويق منتجه مع الحفاظ على هامش ربحه.
وإذا كان المصيلحي يرى أن قراره الأول سيعمل على ضبط الأسعار ووقف الارتفاع الكبير لمعدلات التضخم، فإن البنك المركزي نفسه يستبعد السلع شديدة التفاوت السعري من حسابه لمعدل التضخم الأساسي، مثل الطماطم والبصل والبطاطس، لأن الاقتصاديين أدركوا الاهتزازات العنيفة في أسعار هذه المنتجات، وصعوبة تحجيمها.
وعلى سبيل المثال، انخفضت أسعار صادرات مصر من الطماطم والبصل إلى دبي بمعدل 37% و53% على التوالي، خلال الأيام الماضية، نتيجة عملية حرق الأسعار المرتبطة بزيادة الإنتاج والصادرات، ولو كانت هذه الصادرات تتبع تعليمات الوزير لتوقف تصديرها لارتفاع سعرها المرتبط بتكلفة الإنتاج والتقديرات الأولية لحجم الإنتاج والصادرات.
يرى المصيلحي إنه «بدون تنظيم حركة تداول السلع وخفض الفاقد لن يتم تنظيم حركة التجارة الداخلية أو تطويرها، ومن الضروري مواجهة أزمة وجود سعرين للسلع؛ نظراً إلى ما يترتب عليه من عشوائية وفساد»، ولكن حل هذه الأزمة لا يتم عبر الإجبار بل عبر زيادة الإنتاج وبالتالي زيادة المتوفر في السوق و خفض الأسعار، واستخدام التكنولوجيا الحديثة في مقارنة الأسعار بين الأسواق المختلفة، واستخدام العلم في ضبط تدفق السلع للأسواق حتى لا تكون التباينات السعرية كبيرة خلال فترات قصيرة.
والوزارة قامت بالفعل بعرض الخطة الاستراتيجية الخاصة بإقامة أسواق منظمة ومناطق لوجستية بالمحافظات على الرئيس عبدالفتاح السيسى، وجاري حالياً التنسيق مع الجهات المعنية، من بينها المحافظات والغرف التجارية، وهيئة أملاك الدولة لتحديد المناطق التى تصلح لهذه الأغراض، وبإتمام هذه الخطوة ستنخفض التباينات بشدة.
هذا بالإضافة إلى فتح أسواق جديدة تضمن تحقيق هامش ربح جيد للمنتجين بعيدا عن أسواق المصريين محدودي الدخل، ويتوقع المجلس التصديري للحاصلات الزراعية أن تتسبب عودة الطيران مع موسكو في إنعاش آمال مصدري الخضروات والفواكه، فالطيران يستحوذ على 20% من صادرات القطاع، وتعطل حركة الطيران يعرض هذه المنتجات للتلف ويرفع من تكلفة النقل.
وإذا نجحت الحكومة في دراسة حاجة الأسواق المحلية والخارجية بشكل سنوي، وتقديم النصيحة والدعم للمنتجين، سنضمن أرباح جيدة للتجار والمصدرين، وأسعار معقولة للمستهلكين، دون الحاجة لقوانين يصعب تطبيقها وتضر بالصالح العام.