fbpx
الرأي

“كارثة السد”.. مصر تنتظر الإجابة؟

بقلم الكاتب الصحفي
صبري الديب

هل انتهى أمر “سد النهضة” عند هذا الحد، وهل سلمنا بالأمر الواقع بعد ملء “إثيوبيا” للسد بقرار منفرد، وهل أصبح السد بالفعل “أمرا واقعا” بعد أن نجحت “أديس أبابا” فى فرض إرادتها وتنفيذ ما أرادت مستخدمة سياسة “لي الذراع”؟.

أعتقد أن تلك الأسئلة دارت ومازالت تدور في أذهان كل المصريين، بعد حالة الإحباط التى أصابت الجميع، عقب إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي خلال القمة الإفريقية المصغرة التى عقدت الأسبوع الماضى، عن الانتهاء من الملء الأول للسد “بقرار أحادى” ودون أدنى اعتبار لدولتى المصب، بل والادعاء “كذبا” أن غزارة الأمطار ساعد فى عملية الملء، على ذات طريقة الخداع والتضليل والمراوغة التى اتبعتها “أديس أبابا” طوال سنوات المفاوضات.

ورغم أننى لا أمتلك بالفعل إجابة عن أي من الأسئلة الماضية، إلا أنني أجزم أن هناك شعورا لدى المصريين، أن “إثيوبيا” قد نجحت فى فرض إرادتها، وجعلت من سد النهضة أمرا واقعا لا يمكن المساس به، باستخدام “سياسة التضليل”.

وهى الحقيقية التى يستطيع أن يجزم بها كل المتابعين للأحداث خلال الشهور الأخيرة، بدليل أنه فى اليوم التالى لانتهاء القمة الإفريقية المصغرة الأولى، التى ضمت قادة الدول ال 3 فى الشهر الماضى، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي “آبى أحمد” عزم “أديس أبابا” البدء فى ملء السد خلال أسبوعين، على العكس تماما مما تم الاتفاق عليه خلال القمة، بعدم بدء الملء سوى بعد التوافق مع دولتى المصب.

وفى 14 يوليو الماضى، نشرت وسائل إعلام غربية صورا لأقمار صناعية، أكدت وجود تجمع كبير للمياه خلف “سد النهضة” مما يؤكد بدء إثيوبيا بالفعل فى ملء السد بقرار أحادى.

وفى اليوم التالى لنشر تلك الصور وتحديدا فى 15 يوليو الجارى، خرج وزير الرى الإثيوبى “سيليشى بيكيلى” وأعلن عن بدء “أديس أبابا” فى ملء السد، ثم عاد بعد وقت قصير ونفى ما سبق أن أكده، زاعما أن الأمر لا يزيد على وجود كميات ضخمة من المياه خلف السد، نتيجة لغزارة الأمطار الموسمية.

وفى تكذيب لما أعلنه الوزير الإثيوبي، أعلنت هيئة مياه ولاية الخرطوم السودانية فى ذات اليوم، عن خروج 6 محطات نيلية عن الخدمة، نتيجة لانحسار مفاجئ للمياه فى النيل الأبيض والأزرق ونهر النيل.

ويوم 21 يوليو الجارى، فاجأ رئيس الوزراء الإثيوبى الجميع، خلال انعقاد القمة الإفريقية المصغرة، التى ضمت زعماء الدول ال 3، وأعلن عن انتهاء إثيوبيا من الملء الأول للسد، وكأنه يقول للعالم: “فعلت ما أريد، رغم أنف الجميع”.

يقينى أن إثيوبيا لم تقدم على خطوة ملء السد بتلك الثقة، ودون مبالاة بالموقف المصرى أو السودانى، سوى بمساندة “قوى دولية كبرى” كانت تعلم بشكل مسبق بالخطوة، وأعطت “أديس أبابا” الضوء الأخضر بالاستمرار فى المفاوضات بشكل عبثى، مع البدء فى عملية الملء بشكل سرى ودون إعلان، إلى أن يصبح الأمر واقعا أمام الجميع “وهو ما تم بالفعل”.

بدليل الموقف المؤسف والصامت لكل القوى الدولية الكبرى وعلى رأسها “أمريكا” التى شاركت فى المفاوضات كـ “وسيط دولي محايد” وشاهد على المراوغات الإثيوبية وهروبها من مفاوضات “واشنطن” والتى بدلا من أن تتخذ موقفا صارما ضد تجاوزات “أديس أبابا” اكتفت بتسريب “خبر تافه وغير صحيح” على لسان مصدر مجهول، قالت فيه أنها “تدرس” حجب بعض المساعدات عن إثيوبيا، وهو ما نفاه المتحدث الرسمى باسم الخارجية الإثيوبية.

الغريب، أنه بعد أن نجحت “إثيوبيا” فى خداع دولتى المصب، والانتهاء من ملء المرحلة الأولى من السد، بدأت فى البحث عن خدعة جديدة، حيث أعلنت على لسان الناطق باسم وزارة خارجيتها “أنها تستطيع إتمام ملء السد في غضون ثلاثة أعوام، إلا انها تفضل تمديد الفترة إلى سبعة سنوات، حرصا على تجاوز مخاوف القاهرة والخرطوم”.

وهو الأمر الذى “لن يحدث” وستستمر “أديس أبابا” فى ذات سياسة الخداع، والملء بشكل متوازٍ مع عملية البناء، طبقا لتصريح سابق لـ”سيليشى بيكيلى”.

وما سيحدث مستقبلا، فى حالة الاستمرار فى مجاراة “إثيوبيا” فى مفاوضاتها العبثية، أننا سنفاجأ خلال وقت قصير بـ “سد النهضة مكتمل البناء والملء” ولن يكون هناك مفر سوى التعامل معه كأمر واقع.

الخلاصة، أنه أصبح لا جدوى من المفاوضات مع “إثيوبيا” أو حتى اللجوء للاتحاد الأفريقى أو مجلس الأمن، لأن “أديس أبابا” لا تبحث عن اتفاق ملزم يحد من نواياها الكارثية فى إقامة سدود جديدة مستقبلا على النيل الأزرق ونهر النيل، وترغب فقط فى التوقيع على “اتفاق استرشادي” يمكن مراجعته في أي وقت، وهو ما اعترف به أيضا المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية علنا منذ أيام.

كما أن هناك قوى دولية كبرى لن تمكنا من اتخاذ قرار ملزم ضد إثيوبيا فى مجلس الأمن – وإن حدث – فإنه لن ينفذ، لأن القرارات الدولية على أرض الواقع “لا تنفذ” ولا تعطى أكثر من حجة سياسية، بدليل أن “أديس أبابا” ذاتها لم تمتثل خلال 18 عاماً لقرار محكمة العدل الدولية، الذى ألزمها عام 2002 بإخلاء منطقة “الديما” التابعة لإريتريا.

يقينى أن أساليب “المراوغة، والكذب، والتضليل، وسياسية لى الذراع” التى اتبعتها “إثيوبيا” خلال ملء السد وسنوات المفاوضات، يجب ألا تمر بتلك السهولة، وأن “حقوق وكرامة وعزة مصر” تتطلب ضرورة الرد.. ورغم إننى لا أدري كيف، إلا إننى على يقين أن كل مصر تنتظر الإجابة.. وكفى.

زر الذهاب إلى الأعلى