fbpx
اخترنا لك

كتاب: “صنع العدو.. أو كيف تقتل بضمير مرتاح”

كتب – محمد عيد:
وسط كل الصراعات والنزاعات الدموية التي تعيشها المنطقة العربية والعالم كله، يبدو العقل البشري بحاجة إلى التوقف ليفهم بعمق ما يجري من حوله، فلماذا ينتشر القتل والموت بهذه الصورة المروعة التي باتت أكثر قسوة حتى من الحروب العالمية التي كانت ذروة المأساة البشرية، ولعل احتفال العالم قبل أيام بمئوية انتهاء الحرب العالمية الثانية يكون مناسبة للنظر بعمق إلى تلك الدوافع الدفينة لقتل البشر بعضهم البعض. ويمثل كتاب “صنع العدو أو كيف تقتل بضمير مرتاح”، للباحث والأكاديمي والدبلوماسي الفرنسي بيار كونيسا، محاولة جادة لفهم تلك الذهنية التي تدفع ببني البشر إلى قتل بعضهم البعض، وقد صدرت الترجمة العربية للكتاب عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في 318 صفحة.
يتضمن الكتاب ثلاثة فصول رئيسة، أوّلها بعنوان “ما العدو؟”، وفيه يحاول الكاتب التعريف بماهية العدو، ويبين حاجة الدول والجماعات إلى الأعداء، وأن هذا العدو يتم خلقه بقرار سياسي، ويُعنى المؤلف أيضا بالجهات المسؤولة عن خلق الأعداء، وبدور السياسيين والمثقفين في تحديدهم. وفي الفصل الثاني من الكتاب “وجوه العدو: محاولة تصنيف” يضع المؤلف تصنيفا يضم أنواع الأعداء، معترفا في الوقت نفسه بأن النماذج التي يطرحها للاستدلال على هؤلاء الأعداء غير نقية تماما، إذ يكون العدوّ في أغلب الأحيان مزيجا من عدة أصناف، ومن بين أصناف الأعداء: أعداء الحدود، والمنافس الكوكبي، والعدو الحميم (أي الحرب الأهلية بحسب المؤلف)، والعدو الخفي أو نظرية المؤامرة، والعدو المتصور، والعدو الإعلامي، إضافة إلى أنواع أخرى من الأعداء.
أمّا الفصل الثالث، وهو بعنوان “تفكيك العدو”، فقد حاول فيه المؤلف الإجابة عن عدة أسئلة، من بينها: هل يمكن العيش من دون عدو؟ وكيف يستطيع البشر تفكيك العدو في المستويين الوطني والدولي؟ وما نماذج النزاعات المحددة التي يمكن تفكيك دوافعها؟ ولا يهدف الكتاب إلى تحديد طريقة مقبولة أو غير مقبولة للقتل والحرب، لكنه يرنو إلى تحليل كيفية نشوء علاقة العداوة، وكيف يُبنى المتخيل قبل الذهاب إلى الحرب وتفكيك الطريقة التي تجعل العنف شرعياً ومقبولا من وجهة نظر من يقوم به.
ويرى المؤلف أنه خلافا لما نستطيع قراءته في كتب العلاقات الدولية، فإن الديمقراطية ليست حاملة للسلام بذاتها، وإلا ما قامت الاستعمارات الفرنسية والبريطانية قط، ولما وُجد الأمريكيون في العراق، ولما احتل الإسرائيليون الأراضي المحتلة، على العكس من ذلك فإن الأنظمة الدكتاتورية ليست كلها داعية إلى الحرب.
ويرى «كونيسا» أن معظم أجهزة الدولة والمخابرات، ومراكز التفكير والتخطيط الإستراتيجية، وكل صُناع الرأي يشتغلون على صنع العدو، حيث ترى هذه القطاعات والأجهزة أنه من المفيد وجود عدو يصهر الأمة، ويؤكد قوتها، ويشغل قطاعها الصناعي والعسكري. ويشير «كونيسا» إلى أن قانون الحرب يمثل إلى الآن العدالة التي يطبقها القوي على الضعيف، حيث يبقى جنود الطرف الأقوى محصنين، فالعملية «الإسرائيلية» «الرصاص المصبوب» على غزة أسفرت عن 1400 قتيل فلسطيني، وفي المقابل قُتل 14 جندياً «إسرائيليا»؛ وهو ما دفع «إسرائيل» لتعديل اتفاقات جنيف التي تفرق بين المدنيين والمحاربين، ما قد يسمح بقتل المدنيين بصورة أكثر شرعية. ويرى «كونيسا» أن الدول الكبيرة هي من تملك حق تعريف عدوها وتحريفه في نفس الوقت، فإذا رأت أن تعريفا ما لا يخدم مصالحها الإستراتيجية أو الآنية، لذلك تلجأ إلى وضع مصطلحات تحررها من المسؤولية وتوحي بمسؤولية القتيل عما حدث له لا مسؤولية القاتل عن فعلته.

زر الذهاب إلى الأعلى