كريم عادل يكتب : “مصر” و”بريكس” … ماذا بعد؟
فرحة عارمة، عمّت الشارع المصري، والوسط الاقتصادي، بعد إعلان دول بريكس، دعوة مصر بشكل رسمي، للانضمام للتحالف بدءاً من شهر يناير 2024.
ولكن حتى نكون أكثر واقعية، وحتى تكون كلماتنا التي نكتبها مفيدة، هناك سؤال يجب طرحه … ماذا بعد انضمام مصر إلى تجمع “بريكس”؟
هل حقاً ستنتهي أزمة الدولار في مصر ؟ وهل مصر لديها احتياطات متنوعة من عملات الدول أعضاء التجمع حتى يكون التبادل التجاري معها بعيداً عن الدولار؟
إليكم الإجابة …
أولاً، وبشكل واضح وصريح، لن تنتهي أزمة الدولار في مصر بعد الانضمام إلى دول بريكس، وأبرهن على ذلك بعدة نقاط، منها، أن الميزان التجاري الخارجي لمصر، لا يزال في نطاق العجز، وهذا يعني أن الواردات تفوق بكثير الصادرات المصرية، وبشكل قاطع، لن تنتهي أزمة الدولار في مصر، حتى يتحول عجز الميزان التجاري، إلى فائض.
ثانياً، ووفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغت قيمة صادرات مصر إلى دول تجمع بريكس منذ عام 2009، وهو أول عام يُعقد فيه التجمع اجتماعه منذ بداية المناقشات عام 2006، بلغت 251.1 مليار دولار، في حين بلغت قيمة الصادرات 45.5 مليار دولار خلال نفس الفترة، هذا يعني، أن الميزان التجاري لمصر مع دول بريكس، يمثل عجزاً بقيمة 205.6 مليار دولار.
وهنا يأتي سؤال آخر، هل تكمن مشكلة مصر في عدم توافر الدولار فقط، في حين أن عملات الدول أعضاء بريكس، متوفر في سلة العملات لدى البنك المركزي المصري، حتى تستطيع مصر تنفيذ معاملات تجارية مع الأعضاء بالعملات الوطنية بعيداً عن الدولار؟
هل تتمتع سلة العملات المصرية بوفرة من اليوان والروبل والروبية … ؟
أضرب لكم مثالاً بسيطاً، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغت قيمة صادرات مصر إلى الصين 10.1 مليار دولار، منذ عام 2009 وحتى عام 2022، في حين استوردت مصر من الصين ما قيمته 123.6 مليار دولار خلال نفس الفترة.
وحتى تستطيع مصر تنفيذ معاملات تجارية مع الصين بالجنيه واليوان، يتعين على مصر توفير مبالغ طائلة باليوان، على الأقل قيمة تعادل الفرق بين الصادرات والواردات.
ونقيس على الصين، الدول الباقية أعضاء بريكس.
ولكن، لا ننكر أن انضمام مصر إلى بريكس، هو خطوة جيدة في مسار السياسة الخارجية المصرية، ويُعد من أهم ثمار الدبلوماسية الاقتصادية المصرية، ولكن يجب أن نكون أكثر واقعية.
ومما لا شك فيه، أن انضمام مصر إلى تجمع “بريكس” يُعد انعكاس لنجاح جهود السياسة الخارجية، والدبلوماسية الاقتصادية للدولة المصرية، التي تُعد أولوية سياسية، فقد تم إدارة ملف الدبلوماسية الاقتصادية بكفاءة، للاستفادة من علاقات مصر المتميزة مع دول العالم، بعد أن تم تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية والثلاثية ومتعددة الأطراف على مدار السنوات الأخيرة، والتي تعد جوهر السياسة الخارجية للدولة المصرية، التي تدعم في نهاية المطاف الاحتياجات والمستهدفات طويلة الأجل للدولة.
وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن تَحقُق الاستفادة من الانضمام إلى تجمع “بريكس”، يتوقف على ما ستقدمه الدولة المصرية خلال المرحلة المقبلة للدول الأعضاء، والذي يتطلب من الحكومة المصرية، دراسة احتياجات أعضاء دول “بريكس”، ونقلها إلى المجتمع الصناعي المصري، حتى يبدأ في تكثيف العمل عليها، لتصديرها إلى أسواق “بريكس”، وهذا يتطلب من الحكومة، تعزيز دعمها لقطاع الإنتاج، والتصنيع، والتصدير، وتوفير مستلزمات الإنتاج، والمواد الخام، والتكنولوجيا اللازمة للإنتاج، وفقاً لمعايير الجودة العالمية، التي تشترطتها الدول أعضاء بريكس، إضافةً إلى ما سيتم اتخاذه من إجراءات وسياسات مالية ونقدية، تسهم في تعزيز قوة العملة المحلية، مقابل عملات دول تجمع “بريكس”، خاصةً أن هذا التجمع، يرتكز على تعزيز وزيادة التبادل التجاري بين الأعضاء، وهو ما يتطلب تبني سياسات جديدة، من شأنها تحقيق تلك الاستفادة للدولة المصرية، وإفادة الدول أعضاء التجمع.
يضاف إلى ذلك ضرورة أن تتقدم الدولة المصرية بمقترح لبنك التنمية والدول الأعضاء في تجمع “بريكس” يتضمن بحث آلية أن يتكون رأس مال البنك من سلة عملات الدول الأعضاء بصورة كاملة وألا يكون للدولار الأمريكي أي حصة منها، مما يحقق ما يستهدفه هذا التجمع من تقليل الاعتماد على الدولار رفضاً للهيمنة الاقتصادية الأمريكية وبما يعزز من قوة عملات الدول الأعضاء ويمثل غطاء نقدي يتيح إمكانية التبادل التجاري فيما بينهم في ظل ما يشهده الميزان التجاري لبعض الدول من زيادة الواردات ونقص الصادرات لبعض دول التجمع.
مع الأخذ في الاعتبار أنه إذا كان هذا الانضمام يساهم في زيادة ثقة المجتمع الدولي ومؤسسات التمويل الدولية ومؤسسات التصنيف الائتماني في الاقتصاد المصري، والذي يتوافق مع معايير الانضمام وسياسات العمل مع تجمع اقتصادي هام، إلا أن الاستفادة من ذلك تتطلب تبني سياسات استثمارية نوعية جاذبة تستهدف بحث سبل التعاون وفتح آفاق جديدة للاستثمارات والتبادل التجاري بين الدولة المصرية ودول التجمع والأعضاء في بنك التنمية المنضمة إليه.
كما يتطلب الأمر مراجعة أسباب اختيار مصر للانضمام لهذا التجمع والعمل على تبني هذه الأسباب وتطويرها لتتحقق الجدوى والاستفادة لتجمع بريكس من انضمام مصر إليه، وعلى رأسها الموقع الجغرافي والتوسعات في المناطق اللوجيستية وعلاقات مصر بإفريقيا كثقل سياسي واقتصادي.
فانضمام مصر إلى تجمع “بريكس”، يمثل فرصة حقيقية يجب استغلالها الاستغلال الأمثل في إنجاح خطط التنمية والأولويات الوطنية للدولة المصرية، والتي تأتي جميعها في إطار رؤية مصر 2030 و2063 وأهداف التنمية الاقتصادية والمستدامة، لما في ذلك الانضمام من دور وأثر كبير في تحقيق مستهدفات الدولة الاقتصادية والاجتماعية، حيث تدخل جميعها من حيث طبيعتها في الأنشطة المتعددة لبنك التنمية، وما يقدمه للدول الأعضاء من توفير الموارد اللازمة وتقديم المعونة الفنية لتنفيذ المشروعات المرتبطة بالأولويات التنموية الوطنية بها، حيث يعمل البنك على دعم الت