fbpx
الرأي

محمد شومان يكتب : لماذا تتعثر الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني؟

قبل ثلاث سنوات، أطلق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي دعوة جريئة لتجديد الخطاب الديني، عندما قال في كلمة له في مناسبة دينية: «إننا في حاجة إلى ثورة وتجديد في الخطاب الديني، وأن يكون الخطاب متناغماً مع عصره»، مؤكداً أن المشكلة ليست في الدين ولكن في الفكر، وطلب من شيخ الأزهر ووزير الأوقاف والمفتي سرعة الانتهاء من عناصر الخطاب الديني الذي يصحح المفاهيم.
دعوة السيسي جاءت استجابة لحاجات اجتماعية وسياسية تفرضها وجود جماعات إسلاموية متطرفة وتكفيرية تستغل الدين وتوظفه لتحقيق مصالحها والإساءة إلى صحيح الدين نفسه، حيث تستغل بعض المفاهيم المغلوطة عن الإسلام في نشر أفكارها وتجنيد عناصر جديدة لا تدرك حقيقة الإسلام كدين تسامح وتعايش، ومن ثم تمارس تلك العناصر الجاهلة بصحيح الدين تكفير المجتمع والناس والقتل والإرهاب. والثابت أن كل الأديان كافة عرفت اتجاهات الغلو والتطرف ومحاولات استغلال الدين في ممارسة الحقد والكراهية وتكفير الآخر وقتاله واستعماره. ولنتذكر هنا الحروب الصليبية والحركة الاستعمارية وكيف استخدمتا الدين المسيحي في تبرير جرائمهما ما أساء للمسيحية التي تدعو للمحبة والتسامح والمساواة بين البشر. لكن ظهرت دعوات لنقد ومراجعة هذه الممارسات والعودة للجوهر الحقيقي للمسيحية. في سياق مقارب يمكن القول بأن الفكر الإسلامي وممارسات بعض الجماعات الإسلاموية في حاجة إلى نقد ومراجعة شاملة، وهو ما دعا مفكرين وباحثين كثيرين، إضافة إلى السيسي وكثير من الزعماء العرب والمسلمين، إلى تأييد الدعوة لتجديد الخطاب الديني. وأعتقد أن هذه الدعوة لا تحركها فقط ضرورات مواجهة جماعات التّطرف والإرهاب، وإنما تحركها أيضاً حاجة المجتمعات الإسلامية للتعامل مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والتي تفرض أوضاعاً جديدة وتحديات خطيرة تتطلب إعمال العقل والتجديد في الفكر والخطاب الإسلامي، مع الالتزام بثوابت الإسلام وعدم المساس بها.
ولا شك أن الفكر الإســـلامي عبـــر تاريخه الممتد لأكثر من 15 قرناً شـــهد كثيراً من عمليات التجديد والإصلاح ما يؤكد قدرة الفقه الإســلامي على الاستجابة لتحديات وتحوّلات الواقع والحياة. غير أن هناك كثيراً من الظواهر تشير إلى جمود الفكر والخطاب الإسلامي في الخمسين سنة الأخيرة عن ملاحقة التغيير السريع في العالم وداخل المجتمعات الإسلامية، وانتشار عمليات توظيفه سياسياً ودعائياً لصالح الجماعات المتطرفة التي تركز على الشكل من دون فهم واستيعاب جوهر الإسلام الحقيقي ومقاصد الشرع، في حماية أمن واستقرار الناس، وكفالة حريتهم، وصيانة كرامتهم وحقهم في حياة تقوم على العدل والمساواة.
تجديد الخطاب الديني فريضة غائبة يحسب للرئيس السيسي أنه دعا إليها صراحة وبوضوح وألحّ عليها غير مرة خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ووصل الأمر إلى عتاب صريح لشيخ الأزهر ورجال الدين لتأخرهم في تجديد الخطاب الديني الرائج والمتداول بين الناس، والذي ينتج كثيراً من مظاهر التطرف والجمود، الأمر الذي يطرح سؤالاً جديراً بالتفكير، وهو لماذا تعثّرت الدعوة لتجديد الخطاب الديني؟ أعتقد وبصراحة أنه يمكن التفكير في عدد من الأسباب أهمها:

– أولاً: غموض الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني، حيث دار نقاش حول مفهوم الخطاب الإسلامي وهل هو الخطب والفتاوى وما يقدمه علماء المسلمين إلى الجمهور، أم أنه مجمل الفكر والقول والممارسة الاجتماعية للدين، ثم هل تقتصر الدعوة على الدين الإسلامي، أم أنها تشمل الأديان كافة، وإذا كان الأمر يتعلق بالخطاب الإسلامي فمن المرشح للقيام بهذا الدور التجديدي؟ هل هو الأزهر فقط أم علماء الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف وعموم علماء المسلمين؟ فمن المتفق عليه أن تجديد الخطاب الديني– الإسلامي أو المسيحي أو اليهودي– يرتبط بالاجتهاد والإصلاح، وبالتالي فإنه عملية صعبة لا يجب أن تترك للهواة؛ وإنما يجب أن تمارس وفق أصول وقواعد يعرفها ويمارسها ذوو العلم والقدرة والخبرة.
– ثانياً: مقاومة بعض الجماعات المتطرفة وبعض رجال الدين لمحاولات تجديد الفكر والخطاب الإسلامي، لأن استمرار الأوضاع الحالية يحقق لهم مكاسب مادية ومعنوية وسياسية مهمة، في هذا السياق بادر هؤلاء بتشويه الدعوة لتجديد الخطاب الإسلامي والإساءة إليها باعتبارها تمس أصول الإسلام وثوابته، وأنها مؤامرة غربية استعمارية تستهدف تهميش الدين من حياتنا؛ إلى آخر تلك الاتهامات التي ترى أن في كل جديد بدعة، وكل بدعة ضلالة. والحقيقة أن الدعوة لتجديد الخطاب الديني بعيدة كل البعد عن هذه الاتهامات والأوهام، لأن القصد منها هو الاجتهاد والتجديد لمواكبة التغير في أحوال الناس والمجتمع، وإصلاح ما يقدم للناس من أفكار وخطب وفتاوى وتنقيتها من الأفكار المتطرفة والشاذة والتي لا تلائم العصر وظروف المجتمع.
– ثالثاً: أن تجديد الخطاب الديني عملية صعبة ومعقدة ومن غير الممكن إنجازها بمعزل عن الإصلاح الشامل في كافة ميادين الحياة التعليمية والاجتماعية والثقافية، القصد أن تجديد أو إصلاح الخطاب الديني يرتبط بتجديد الخطاب العام في المجتمع، ولا يعني ذلك تأجيل التصدي لمهام تجديد الخطاب الديني انتظاراً لإصلاح منظومة التعليم أو تجديد الحياة الثقافية، وإنما المطلوب أن يكون هناك تحرك متزامن في كل هذه الميادين نحو الإصلاح والتجديد، مع تعظيم لدور الدولة والإعلام في القيام بمهام الإصلاح الشامل في المجتمع.
– رابعاً: أن الرهان على دور الأزهر فقط أو تحميله أكبر المسؤولية له ما يبرره في ضوء أنه أكبر وأعرق مؤسسة تعليمية للدين الإسلامي السّني في مصر والعالم، لكن هذا الرهان قد لا يكون سليماً تماماً، لأن الأزهر تغيّر وتأثر بالمناخ الديني السائد في الثقافة والمجتمع. من هنا نجد أصواتاً داخل الأزهر تعارض تجديد الخطاب الديني. من ناحية أخرى فإن الأزهر يحاول دائماً الحفاظ على استقلاله، وبالتالي فإن الاستجابة السريعة والفورية لدعوة تصدر عن القيادة السياسية قد تشعر رجال الأزهر وكأنهم يقومون بتجديد الخطاب الديني استجابة لقرار أو رغبة سياسية وهو ما يشعرهم بنوع من الحرج، خصوصاً أن الجماعات المتطرفة والإخوان يتهمون الأزهر بموالاة السلطة وتأييدها على طول الخط وبغض النظر عن توجهات ومواقف السلطة.
أعتقد أن الأسباب السابقة قد تفسر إلى حد كبير تعثر الدعوة لتجديد الخطاب الديني لكنها لا تعني عدم أهميتها ووجود طلب اجتماعي وسياسي نحو إنجازها في أقرب فرصة ممكنة، لأن استمرار جمود الخطاب الديني يُؤمن للجماعات الإرهابية زاداً فكرياً وأيديولوجياً تعيش عليه وتبث سمومها في المجتمع والعالم وبما يسيء للإسلام، وأتصور أن بطء الأزهر أو وزارة الأوقاف ورجال الدين عن تجديد الخطاب الديني قد يؤدي إلى إضعاف دور هذه المؤسسات وظهور شخصيات ورجال دين من الصف الثاني، مؤهلين وقادرين على ممارسة تجديد وإصلاح الخطاب الإسلامي. وتجدر الإشارة هنا إلى درس التاريخ، حيث إن غالبية جهود الاجتهاد والتجديد والإصلاح جاءت في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين على يد رجال دين مصلحين من خارج الأزهر والمؤسسات الدينية في مصر، أو من المتمردين عليها. فقد جاء جمال الدين الأفغاني من خارج مصر ومن خارج الأزهر، ونجح تلميذه الشيخ محمد عبده في إعلاء قيمة العقل وتحكيمه في أمور الدين والدنيا، وعلى النهج نفسه سار الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر وأحمد أمين والعقاد وطه حسين وآخرون؛ ممن أصلحوا الدين والثقافة في مصر.
نقلا عن صحيفة الحياة

زر الذهاب إلى الأعلى