محمد صلاح يكتب : أنفاق تربط سيناء بالوادي وأنفاق تهاجم من الدوحة ولندن !
فارق كبير بين أنفاق تمرّ تحت قناة السويس وتربط سيناء بالوادي، وأنفاق أخرى تمر تحت خط الحدود بين شبه الجزيرة وقطاع غزة، بما يفسر حجم الغضب الذي ظهر في ردود فعل الإخوان المسلمين والناشطين الذين ارتضوا أن تمتطيهم الجماعة، وكذلك الآلة الإعلامية القطرية والقنوات التي تبث من الدوحة ولندن وإسطنبول تجاه الاحتفال الذي أقيم أول من أمس، في مناسبة الانتهاء من حفر أربعة أنفاق أسفل القناة ستُفتَح لمرور السيارات والشاحنات منتصف العام المقبل. فالأشخاص والجهات التي ظلت منذ ثورة الشعب المصري ضد حكم الإخوان، تسعى إلى هدم الدولة المصرية على من فيها، استخدموا كل الوسائل، بما فيها العنف والإرهاب، لتحقيق ذلك الهدف بلا جدوى، وتبنّوا خطاباً سياسياً وإعلامياً يقوم على أن الحكم في مصر عادى أهالي سيناء. وحينما وجدوا أن أبناء شبه الجزيرة يتعاونون مع الجيش والشرطة والسلطة المحلية، في مواجهة تنظيم “داعش”، حوّلوا الدّفة وتبنّوا نظرية تقوم على أن سيناء ستدخل في مرحلة مقبلة ضمن صفقة يتم بمقتضاها تسليم أو قل بيع أجزاء منها للفلسطينيين.
وجد هؤلاء أنفسهم في موقف صعب، إذ أدركوا أن الناس لم تعد تنطلي عليهم تلك الحيل والأكاذيب، فالرئيس السيسي الذي يتهمونه بتسليم سيناء إلى الفلسطينيين أو حتى إلى إسرائيل لن يسلمها بالطبع بعد تعميرها! كما أن الادعاء بإهمال الحكم في مصر شبه الجزيرة تم دحضه بمشروعات تسهّل انتقال المواطنين بين ضفتَيْ القناة، ومجتمعات تؤسّس داخل سيناء. وهكذا عاد البكاء على الأنفاق التي يدمرها الجيش وتربط بين قطاع غزة ومدينة رفح المصرية، والتي ظلت على مدى سنوات مصدراً للأسلحة والمتطرفين ومورداً للأموال لصالح المهربين والمجرمين.
وسط سخط الإخوان وداعميهم، تمضي مصر في تغيير وجه الحياة في شبه الجزيرة بعدما أُهملت لعقود، إذ لا توجد أي منافذ للربط بين سيناء والوادي إلا نفق الشهيد أحمد حمدي، إضافة إلى جسر السلام في مدينة الإسماعيلية، والمعديات التي تشرف عليها قناة السويس، وكلها وسائل لا تكفي حركة الانتقال بين ضفتي القناة، ويستلزم المرور إلى سيناء الانتظار ساعات من أجل التفتيش بسبب كثافة المرور وتشديد الإجراءات الأمنية بالنظر إلى الاضطراب الأمني في شبه الجزيرة، وجسر السلام مغلق في غالبية الأوقات بسبب إجراءات أمنية، وستخفض الأنفاق الجديدة وقت العبور بين ضفّتي القناة إلى 10 دقائق وهي عبارة عن نفقين في شمال الإسماعيلية، طول الواحد منهما 5820 متراً، سيربطان بين الوادي وطريق يؤدي إلى مدينة العوجة قرب وسط سيناء، إضافة إلى نفقين آخرين جنوب مدينة بورسعيد طول كل منهما 3920 متراً، موصولَيْن بطريق يصل إلى مدينة رفح في شمال سيناء. قُطر الأنفاق الخارجي يتخطى 12 متراً وترتفع لأكثر من 5 أمتار، وهي حُفِرت على أعماق وصلت في بعض النقاط الى 70 متراً تحت الأرض، لتصبح “منظومة الأنفاق الأضخم في تاريخ مصر”.
في المقابل، تواصل السلطات جهودها لتدمير أنفاق أخرى تربط بين شبه الجزيرة وقطاع غزة في أقصى الشرق، وتحديداً بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية، إذ كان وضعاً شاذاً أن ترتبط سيناء بغزة بمئات الأنفاق تحت الأرض، فيما لا يربطها بالوادي المصري إلا نفق واحد وجسر واحد ومعديات تعمل وفقاً لظروف الملاحة في قناة السويس.
هدم الجيش في السنوات الأربع الماضية أكثر من 1200 نفق مع قطاع غزة، بينها أنفاق خرسانية، يمر منها كل شيء، سلاحاً كان أو بشراً أو ماشية أو مواد بترولية مُهرّبة أو بضائع. وركّز الجيش في بداية معركته ضد الإرهاب في سيناء على هدم تلك الأنفاق، واستخدم في سبيل ذلك مياه البحر، إذ أغرق منطقة الحدود بالمياه لردم الأنفاق غير المجهزة بدعامات خرسانية، التي تكفّل سلاح المهندسين العسكريين بتفخيخها. وعلى رغم أن تلك الحملة استمرت سنوات، فإن تلك الأنفاق ما زالت تعمل حتى اللحظة، إذ دمّر الجيش خلال العام الجاري 63 نفقاً في رفح المصرية، علماً أن النفق الواحد في غزة له فتحات عدة للدخول إلى الأراضي المصرية، بما يسمح بإعادة استخدامه في حال كشف الجيش المصري أياً من تلك الفتحات.
يحتاج الأمر إلى بعض الوقت للانتهاء من أنفاق يأمل المصريون في أن تجلب لأهالي سيناء الخير وهدم أخرى لم يجن منها المصريون إلا الشر!
نقلا عن صحيفة الحياة