fbpx
الرأي

محيي النواوي يكتب_”إعادة قراءة الأستاذ هيكل.. تحليلًا وليس هجومًا”

‏لقد ترددت كثيرًا قبل كتابة هذا المقال.. متيقنًا لكل العبارات التي من الممكن أن أتعرض لها.. وأقول: “أننى أحمل للأستاذ “هيكل” ما يتجاوز التقدير والإحترام، وأن الأمر ليس شخصًا أقل شُهرة يهاجم شخصًا أكثر شُهرة، وإنما هو تحليل لهذه الشخصية التي تعتبر ذاكرة مصر السياسية فى القرن العشرين ونصف القرن الحادي والعشرين”
وأعلم علم اليقين أنه سيظهر إناس يقولون: “لا يصح أن تتناقش في شخص الأستاذ هيكل.. وهو بين يدي الله”
إن الأستاذ “هيكل” بالفعل بين يدي الله ولكن كتاباته وآراءه بين يدي التاريخ.
فنحن نتناقش كل يوم في كتابات الكثير من الكُتاب الكبار مثل “نجيب محفوظ وأنيس منصور وآخرون” وممن هم بين يدي الله أيضا.. بل الأكثر من ذلك نتناقش
في أمور الرسول والصحابة والأئمة الأربعة.”
وكم كنت أتمني أن تجمعني صدفة أو لقاء بالأستاذ “هيكل” لأتناقش معه فى كثير مما كتب وكثير مما قيل.
‏إن الأستاذ “هيكل” أطلق عليه المفكر الكبير “جمال حمدان” لقب الصحفي الأشهر في العالم.. فهذه الجملة تأملتها كثيرًا لماذا “هيكل”؟.. ولماذا “هيكل” هو الصحفي الذي حظيت كتاباته بإهتمام لم تحظى بها كتابات صحفيين آخرين؟
والإجابة -فى تقديري” أن السبب فى ذلك هو قرب الأستاذ “هيكل” من الرئيس الراحل “جمال عبد الناصر ” والرئيس الراحل “أنور السادات” فقد حصل على مساحة تجاوزت مساحة الصحفي.. إن الأستاذ “هيكل” خدم الصحافة على حساب السياسية.
فهذا ما جعل كتاباته تتجاوز كتابات الكثيرين من أقرانه الصحفيين فلولا قرب الأستاذ “هيكل” من الرئيس “عبد الناصر” ومن بعده الرئيس “السادات” لكان مثله مثل الكثيرين من الصحفيين.
‏إن فى كتابات الاستاذ هيكل ما يحظي بالإحترام والتقدير وما يحظي بالوقوف أمامه والتحليل
‏إن الأستاذ “هيكل” ذكر في مقدمة كتابه “ملفات السويس” والتي تقول: “إن الذين يعيشون الحوادث هم في غالب الأحيان آخر من يصلحون لتأريخها، ذلك لأن معايشتهم للحوادث تعطيهم على الرغم منها دورًا ،والدور لا يقوم إلا على موقف، ‏والموقف بالطبيعة إقتناع، والإقتناع بالضرورة رأي، والرأي في جوهره إختيار، والإختيار بدوره إنحياز، والإنحياز تناقض مع الحياد.. وهو المطلب الأول في الحكم التاريخي”
‏ وأنا هنا أتفق مع هذه النظرية تمامًا، ولكنني أختلف معها تمامًا.
أتفاق معها: فى أنه من الوارد أن يكون هناك كُتاب منحازين لطرف على حساب طرف آخر أو لأشخاص على حساب أشخاص آخرين أو لجماعات على حساب جماعات أخرى أو لدول على حساب دول أخرى وما إلى ذلك..
‏واختلف معها: تمامًا في أن هذه طبائع البشر بين مؤيد للأحداث ومعارض للأحداث ومن المؤكد أن هذان “المؤيد و المعارض” لا يصلحان لكاتبة التاريخ، ولكن هؤلاء هم من عاشوا الأحداث وقاموا بتوثيقتها.. فلولا من عاشوا الأحداث.. كيف سنستدل على التاريخ؟..
قد يكون توثيق الأشخاص الذين عاشوا الأحداث التاريخية ناقصًا لبعض الحقائق.. فعلينا هنا أن نقوم بالبحث والإطلاع على الوثائق وجمع الآراء من هنا وهناك ومن كتابات أخرى حتى نصل إلى الحقيقة أو أقرب جزء للحقيقة.
وهنا أختلف إختلاف شديد مع الأستاذ “هيكل” إذا إنني لم أستدل على التاريخ ممن عاشوا في تلك الفترة التاريخية فمن أين إذًا أستدل؟..
فإن بذلك سيكون غائبًا عني كثيرًا من التاريخ!..
وهنا الأستاذ “هيكل” يناقض مع نفسه لأنه لا يريد أن نستدل على التاريخ ممن عاشوا الأحداث، ومع ذلك أكثر كتابات الأستاذ تعتبر وثائق تاريخية لفترة عاشها ونقلها لنا.. فإذا أتبعنا القاعدة أو النظرية التي طرحها الأستاذ بعدم الحصول على التاريخ ممن عاشوا تلك الأحداث فستكون كتابات الاستاذ لا شيء ..مع أن الأستاذ “هيكل” يقول: أنه ليس كاتب للتاريخ لأن التأريخ عملية أكبر من جهد الصحفي، ولكن كتاباته أكثر أحداثها تأريخًا وسردًا لحقبة سياسية هامة فى تاريخ مصر السياسي.
فإذا كان كاتب التاريخ ممن عاشوا الأحداث منحازًا لطرف أو لأشخاص أو لجماعات أو لدول -وهذا بالطبع غير مطلوب- لكنه نقل لى الأحداث وكاتب آخر نقل لى الأحداث وكُتاب آخرون نقلوا لى الأحداث.. فالمنطق هنا يقول: “إنه علي الشخص الملتقى لتلك الكتابات التاريخية.. هو القيام بتحليلها، وأخذ الحقيقي والبعد عن ما هو غير حقيقي”
‏إن هناك الكثيرين يقولون: “أن الأستاذ “هيكل” كان مؤيدًا للمشروع “الناصري”. وأنا أقول: “أن الاستاذ “هيكل” لم يكن مؤيدًا للمشروع “الناصري”، والدليل أنه وقف مع الرئيس الراحل “أنور السادات” في القضاء على “مراكز القوي”
وإن كان سيبرر المؤيدين للأستاذ “هيكل” ذلك الوقوف بأنه كان مع “الشرعية” فاقول: “إن الأستاذ “هيكل” إنقلب على السادات وهاجمه في كتاب “خريف الغضب”
إن الأستاذ “هيكل” كان لديه مشروعًا “هيكليًا” لا “ناصريًا” أو “ساداتيًا”.

زر الذهاب إلى الأعلى