fbpx
الرأي

مكونات المنظومة الإنسانية “الجسد والنفس والروح”

بقلم_د. أسامه أحمد الطواب

( دكتوراه في الكيمياء الحيوية )

إن الجسد والنفس والروح هي العناصر التي يتألف من مجموعها الإنسان. الجسد هو المكون المادي المحسوس للمنظومة الإنسانية وهو الوعاء الذي يحوي النفس وتملأه الروح فتكسبه صفاته وخصائصه الحية. أما النفس والروح فيمثلان الجزء المعنوي اللامحسوس من مكونات تلك المنظومة. وبما أن العقل يطمح دوماً ويسعي بإستمرار ليكتشف ما حوله من أسرار أودعها الله سبحانه وتعالي في خلقه، لذا وجب علينا التفكر في ماهية وخصائص كل عنصر من هذه العناصر إذ أن الله سبحانه جل في علاه قد منح لكل منها ما يميزه عن الأخر. فهيا بنا نطلق لعقولنا العنان كي تتأمل وتتفكر في خلق الله وبديع صنعه سبحانه وتعالي لعل الله يمن علينا بالوقوف علي أعتاب الحقيقة والحكمة الإلهية التي تستتر وراء المعجزات والآيات الكونية المتعددة والمنتشرة في أرجاء الكون الفسيح.
إن الروح هي نور من الله يسري في كل عضو من أعضاء الجسد المادي فيمنحه الحياة وحيث أن نور الله لا ينطفئ أبداً فإن الروح كذلك باقية لا تفني أبداً فهي تنتسب إلي الله دوماً وكذلك فإن الروح لا تتقيد بالحدود المكانية ولا بالحدود الزمنية فهي لا تهرم ولا تشيخ ولا تموت. أما النفس فإنها تحمل بداخلها وبين ثناياها مخزوناً من المشاعر والأحاسيس فهي تفرح وتبتهج أحياناً وتحزن وتبكي أحياناً أخري وتتوق للخير أحياناً وتسعي للشر أحياناً أخري وتحب أحياناً وتكره وتبغض أحياناً أخري فمنها النفس المطمئنة وهي أعلاها في الرتبة والمنزلة ومنها النفس اللوامة ومنها النفس الأمارة بالسوء. إن النفس تقع بين قطبين أحدهما سفلي وهو الجسد والأخر علوي وهو الروح فأحياناً تنجذب النفس إلي أسفل ناحية الجسد فتدور في فلكه فتغلب عليها الدونية والشهوانية والحيوانية وتتحكم فيها الشهوات وتحركها الغرائز وأحياناً أخري تنجذب إلي أعلي ناحية الروح فتدور وتسبح في فلكها فتغلب عليها الربانية وتكتسب صفات عالية فتسمو وتعلو وتتألق وتتوهج فتصبح شفافة رقراقة طيبة وهي دوماً بين ذلك وتلك .
ولا يفوتني في هذا المقال أن أذكر بعضاً مما قاله العلماء في هذا الشأن فنحن أمام رأيان مختلفان يقضي أحدهما بأن النفس والروح عنصران مختلفان كل منهما مستقل عن الأخر بينما يقضي الرأي الأخر بأن النفس والروح هما إسمان لشئ واحد. من أصحاب الرأي الأول الدكتور الراحل مصطفي محمود رحمه الله الذي يقول أن التي تذوق الموت هي النفس وليس الروح وأن النفس تذوق الموت ولكن لا تموت ويقول أيضاً أن الروح لا توسوس ولا تشتهي ولا تهوي ولا تضجر ولا تمل ولا تتعذب ولا تعاني هبوطاً ولا إنتكاساً إنما تلك كلها من أحوال النفس وليس الروح. أما الرأي الثاني فيؤيده بعض العلماء ومن بينهم شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله الذي أورد في مجموع الفتاوي قائلاً “والروح المدبرة للبدن التي تفارق بالموت هي الروح المنفوخة فيه وهي النفس التي تفارق بالموت”. ويستند أصحاب هذا الرأي إلي قول رسول الله صلي الله عليه وسلم “إن الروح إذا قبض تبعه البصر” وقوله أيضاً صلي الله عليه وسلم “فذلك حين يتبع بصره نفسه” مما يؤكد أنهما إسمان لمسمي واحد. إذن فمتي نطلق علي هذا المكون المعنوي إسم النفس ومتي نسميه بالروح ؟ وهذا ما بينه ووضحه ما جاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري لإبن رجب من أن النفس والروح ذاتهما واحدة وصفاتهما مختلفة فإذا إتصفت النفس بمحبة الطاعة والإنقياد لها فهي روح وإن إتصفت بالميل إلي الهوي المضر والإنقياد له فهي نفس.

زر الذهاب إلى الأعلى