fbpx
الرأي

نيفين عصام تكتب: “حياة جديدة تبدأ من الخمسين – فرص لم تُكتشف بعد”

“أجمل سنوات العمر هي تلك التي لم نعشها بعد”، بهذه الكلمات لخص الشاعر الفرنسي فيكتور هوغو جوهر الحياة بعد الخمسين. في العصر الحديث، لم يعد هذا العمر يُنظر إليه كنهاية لمسيرة الإنجاز، بل كبداية لانطلاقة جديدة مليئة بالنمو النفسي والفرص غير المتوقعة. في هذه المرحلة، يكون الإنسان أكثر حكمة ونضجًا، قادرًا على التعامل مع الحياة برؤية متوازنة وخالية من الضغوط التي رافقته في سنوات الشباب. فالخمسون ليست النهاية؛ بل بداية رحلة جديدة نحو السلام النفسي والرضا الذاتي.

يتحدث الممثل الأمريكي مورغان فريمان عن هذه المرحلة قائلًا: “لم أحقق شهرتي الحقيقية إلا بعد الخمسين، حيث بدأت أعيش الحياة التي لطالما حلمت بها.” وفي تجربة مشابهة، وجدت الكاتبة اليابانية هاروكي موراكامي في سنوات الخمسينيات هدوءًا داخليًا أتاح له إنتاج أعظم أعماله. هذه الشهادات تكشف أن الخمسين ليست حاجزًا، بل فرصة للتجدد والانطلاق نحو أهداف جديدة.

وفقًا لعالم النفس كارل روجرز، فإن السلام النفسي يبدأ بالتقبل غير المشروط للذات. من المهم التوقف عن اجترار الماضي والتصالح مع الأخطاء السابقة، واعتبارها دروسًا تدعم المستقبل. من هنا، يصبح التخلي عن الشعور بالندم شرطًا أساسيًا لتحقيق الرضا النفسي. يُنصح بممارسة التأمل أو تدوين الأفكار الإيجابية يوميًا كوسيلة لتغذية العقل بمشاعر الرضا.

كما أن المرونة النفسية التي تحدث عنها مارتن سيليجمان في علم النفس الإيجابي تعد ضرورية في هذه المرحلة. التغيير لا ينبغي أن يُخشى، بل يجب احتضانه كتجربة للنمو. المذيعة أوبرا وينفري أعادت اكتشاف ذاتها بعد الخمسين، متبنية نهجًا جديدًا في حياتها يركز على التطوير الروحي والمشاريع الإنسانية. وهكذا، فإن تجربة أشياء جديدة مثل تعلم هواية أو السفر يمكن أن تكون مصدر إلهام وتجدد.

من ناحية أخرى، أكد عالم النفس جون كابات زين على أهمية اليقظة الذهنية (Mindfulness) في تحسين التوازن النفسي. كما أن الاهتمام بالصحة الجسدية يصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى، إذ تعزز الرياضة والنشاط البدني الشعور بالسعادة والراحة النفسية. يمكن البدء بأنشطة بسيطة كالمشي أو تمارين التنفس الواعي.

في هذه المرحلة، تتغير أيضًا مفاهيم النجاح. كما قال فيكتور فرانكل، مؤسس العلاج بالمعنى، “النجاح لا يُقاس بالإنجازات فقط، بل بالشعور بالمعنى والهدف”. لذا، ينبغي السعي وراء الأمور التي تمنح الحياة معنى، سواء كانت علاقة إنسانية عميقة، أو هواية محببة، أو عمل خيري. تحديد ثلاثة أمور تجلب السعادة يوميًا، مهما كانت بسيطة، يمكن أن يكون خطوة فعالة لتحقيق هذا الهدف.

تشير الدراسات طويلة الأمد التي أجرتها جامعة هارفارد إلى أن العلاقات الجيدة هي العامل الأساسي في السعادة. بعد الخمسين، يصبح تعزيز الروابط الاجتماعية أمرًا حيويًا، سواء بإصلاح علاقات قديمة أو بناء صداقات جديدة. قضاء الوقت مع العائلة أو الانضمام إلى نوادٍ اجتماعية يعزز الشعور بالانتماء والراحة النفسية.

في الختام، الخمسون ليست نهاية الطريق، بل بداية حقيقية لحياة أكثر نضجًا وعمقًا. كل يوم بعد الخمسين هو فرصة لاكتشاف الذات من جديد والبحث عن السلام الداخلي. وكما قال صامويل جاكسون: “العمر مجرد رقم، لكن الحكمة التي تأتي معه كنز لا يقدر بثمن.” لا يتعلق الأمر بعدد السنوات التي مضت، بل بكيفية استثمار ما تبقى لصنع حياة سعيدة ومليئة بالإنجازات. استقبل كل يوم بابتسامة، واعتبره بداية

زر الذهاب إلى الأعلى